أوناسيس يُقتَلْ غيظاً!

أوناسيس يُقتَلْ غيظاً!

يوسف أحمد سعد

في مطلع الستينات توجه صحافي حصيف إلى أوناسيس طالباً منه أن يقص عليه حكاية المليون الأول، أجابه أوناسيس: "سل ما شئت, ودعك من المليون الأول." هذا إن المغفور له أوناسيس يخجل من المليون الأول ومن المليون الأول فقط, ولكنه في المقابل يتفاخر بالملايين التالية التي جمعها من خلال الأعمال والأنشطة المشروعة.

هنا أتساءل كم مما يسمون رجال أعمال سوريين يمكنهم الإجابة على سؤال مشابه؟ بل أتساءل كم منهم يستطيع أن يقص علينا حكاية أي مليون من ملايينه فما بالكم بالمليون الأول, فملايينهم كلها مدعاةٌ للخزي والعار, فعلى الرغم من أن الاقتصاد السوري هو من أكثر اقتصادات العالم تراجعاً وارتباكاً وضبابيةً وضعفاً في الهيكلية, فإن الساحة الاقتصادية والاجتماعية السورية تزدحم بمن اصطلح على تسميتهم رجال أعمال, ويكاد المراقب البعيد يعتقد أن سورية ليست بلداً بقدر ما هي ورشة ضخمة للأعمال نظراً لاستئثارها بأعلى نسبة رجال أعمال في العالم قياساً إلى عدد المواطنين.

وإذا كان تقدم الدول يقاس بنسبة عدد الأطباء لكل مئة مواطن, أو عدد المعلمين لكل مئة تلميذ أو قاعات الدراسة, فإننا نحقق النسبة الأكبر في عدد رجال الأعمال لكل مئة مواطن.
فأين ذهبت تصطدم أو تصدم بهذا المصطلح, هذا رجل أعمال شاب يجعل الوطن شاباً, وذاك رجل أعمال فقيه يزداد الخير على يديه خيراً, وآخر رجل أعمال عريق لا يخيب حدسه, وغيره رجل أعمال مثقف يربط بين نفوق الحيتان على شواطىء ميامي ومنع تصدير البصل السوري, إلى ما هنالك من فنون وجنون.
نعم إنهم رجال أعمال وشباب أعمال وحتى نساء أعمال, ولكن أي أعمال هذه؟ وهل يكفي للرجل امتيازاً وميزة أن يكون صاحب أعمال؟ أم أن الأهم أن نعرف ماهية هذه الأعمال, ومدى انسجامها مع التنمية والعدالة والقانون وابتعادها عن الغش والرياء والاستباحة والظلم والاحتكار!
إننا مع الأسف لو دققنا في تفاصيل معظم هؤلاء الرجال لوجدنا أنها مدعاة للخجل والخيبة وليست على الإطلاق مدعاة للاعتزاز والتفاخر,
فهذا رجل أعمال جيء به من تحت الصفر وانتهى من خلال السمسرة والرياء ليكون بعد عام من رجال أعمال الصف الأول, وذاك رجل أعمال بدأ عندما لفظته المدرسة منطلقاً في عالم التهريب والتخريب ليصبح رجل أعمال متميز, وآخر عمل في الممنوع إلى أن بات الاقتراب منه ممنوعاً أيضاً, وآخرون قاموا بنحر الاستثمار دون شفقة من خلال أعمالهم الاحتكارية, وقليلون ومكبوتون هم رجال الأعمال الذين تشهد لهم أعمالهم بالنهج التنموي, ويشهد لهم تاريخهم أنهم قاموا ببناء صروح اقتصادية تتناغم مع متطلبات التنمية ومع متطلبات المواطن ضمن إطار من السلوك الأخلاقي المحترم.

إذاً نحن أمام مجموعة قليلة من رجال الأعمال ومجموعات كبيرة من رجال الأموال, ونحن بالطبع أمام مصطلح ملتبس وجب إزالة اللبس والغموض عنه, ووجب تشريحه –وأعني رجال الأعمال- إلى عناصره الأولية أي " الرجال" و " الأعمال" وإذا كان من اليسير الاتفاق على الكلمة الأولى, فإنه من الواجب وضع تصور كامل عن الكلمة الثانية ويجب أن نبين ما هي أعمال هؤلاء قبل أن نصنفهم في مرتبة قادة الاقتصاد والمجتمع وقبل أن نثبت اسماءهم في دواوين رجال الأعمال.
فدرجة رجال الأعمال هي درجة محترمة لدى المجتمعات كلها, وإذا كانت شركات الطيران والمطارات غير معنية بتفاصيل هذه الأعمال وإذا كانت تفتح تشريفاتها وقاعاتها الخاصة لهم لأنهم دفعوا ما ينبغي دفعه لقاء ذلك, فإن المواطن السوري ليس ملزماً بهذه الطقوس وإن من حقه الطبيعي وواجبه تجاه أبنائه وأحفاده أن يعرف تفاصيل هؤلاء الرجال ومدى استحقاقهم لهذه المرتبة الرفيعة قبل أن يفتح لهم الأبواب العالية.
رحم الله أوناسيس فلقد قتلناه من جديد.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر