السياحة الداخلية: مثلما تدفع تأخذ

السياحة الداخلية: مثلما تدفع تأخذ

ميساء رزق
مع تعافي القطاع السياحي بدأت السياحة بشقيها الداخلي والخارجي بالتوسع،مع رواج الإقبال على السياحة الخارجية ضمن مجموعات برعاية مؤسسات ومكاتب سياحية خاصة، نظراً لعروضها المناسبة مقارنة بالأسعار المرتفعة للمنشآت الفخمة لتلك الفئة القادرة على الدفع، وبعيداً عن السواد الأعظم المحجم عن السياحة لضيق الحال والمال. المشهد في ملفها هذا ستناقش السياحة من زاوية القادرين على“ الدفع“ وتشغيل هذا القطاع الهام، ورصد بعض الآراء للاستفادة والإضاءة على واقع مهم لبلد خرج من رماد الحرب وآن لشعبه أن يهنأ بحره وجبله بما في جيبه.

أسعار حسب النجوم
وللوقوف على واقع السياحة في اللاذقية ورأي مديرية السياحة في الموسم الحالي ومتابعتها للأسعار في المنتجعات والمنشآت السياحية بمختلف نجومها وملاءمة هذه الأسعار لوضع المواطن السوري التقت المشهد المهندس عامر سمكري رئيس دائرة الخدمات والجودة السياحية، حيث أكد تعافي القطاع السياحي والإقبال الممتاز للاصطياف بجميع أشكاله في البحر والجبل فنسب الإشغالات بمنشآت المبيت والإقامة تتراوح بين 90 - 100 بالمئة.
أما الأسعار فيها فتوضع حسب التصنيف حيث تضع وزارة السياحة بدلات المبيت للسقوف وكمثال الغرفة المزدوجة لليلة واحدة كالتالي: 4نجوم: 16500 ليرة، 3 نجوم: 10000 ليرة،نجمتان: 7600 ليرة، ولكن المنشآت المصنفة 5 نجوم أسعارها محررة شريطة التصديق في المديرية حيث يتم إخبارنا بالأسعار التي تتقاضاها ويوجد في اللاذقية 4 منشآت 5 نجوم هي: لاميرا، روتانا، الشاطئ الأزرق، نسمة جبل، لافتاً إلى أن المديرية تقوم بدورها بمراقبة الجودة المقدمة والالتزام بالشروط والمواصفات الخدمية والعينية ومعايير الجودة بها. وأشار سمكري إلى أن جميع المنشآت تلقى نفس الإقبال إن كان في المنشآت السياحية المصنفة فخمة أو في المنشآت الشعبية والشواطئ المفتوحة المجانية والرمزية الأسعار، وفي الشاليهات التي افتتحتها وزارة السياحة تتراوح أسعارها بين 8 و 15 ألف ليرة حسب الحجم والنسق، حيث بإمكان جميع شرائح المجتمع قصد أي مكان حسب دخلها فجميع المستويات موجودة هذا الموسم.

السياحة الخارجية وعروض القطاع الخاص
وحول واقع السياحة بوجهة نظر القطاع الخاص العامل بها التقت المشهد محمد سميح زين عضو غرفة سياحة اللاذقية، ومالك مؤسسة زين البحر للسياحة والسفر الذي تحدث عن نشاطاتها التي تقدم على مدار العام عروضاً تشجيعية للراغبين بممارسة مختلف أنواع السياحة مثل السياحة الترفيهية وسياحة المهرجانات الفنية وسياحة رجال الأعمال وسياحة المعارض والمؤتمرات والسياحة البحرية والسياحة العلاجية والسياحة الرياضية إضافة للعروض الخاصة بشهر العسل وكل ذلك دون وضع الهدف الربحي كغاية أساسية بل إضفاء السعادة والفرح على المشاركين في فعالياتنا السياحية خاصة بعد الضغوط النفسية العديدة التي تعرض لها المواطن السوري على مدى السنوات الماضية،ولفت إلى أنه يوجد إقبال جيد على السياحة الخارجية وسبب ذلك عدم وجود تفاوت بين تكلفة السياحة الداخلية والخارجية لا بل إن السياحة في بعض البلدان المجاورة مثل لبنان تكون أخفض قليلًا من التكلفة في الساحل السوري مثلا حيث يمكن قضاء ليلة واحدة في فنادق الأربعة نجوم في بيروت أو جونيه بخمسة عشر ألف ليرة سورية مع فطور مفتوح للشخص الواحد إضافة لعروض مذهلة تقدمها أفخم الفنادق خارج الموسم السياحي العالي ومنها مثلا (احجز ليلتين وادفع ليلة واحدة) وهو ماقد لا يكون متاحاً هنا، أما السياحة في بلدان أخرى أبعد مثل إيران التي بدأ التوجه نحوها في الآونة الأخيرة فيمكن قضاء أسبوع كامل في أفخم الفنادق ب 350 ألف ليرة متضمنة الفطور والعشاء وتذاكر الطيران، وبنفس التكلفة أيضاً في جنة الأرض الموعودة (جزر المالديف) دون أن تتضمن تكلفة الطيران، وذكر زين أنه خلال حضوره قبل عدة أشهر في بيروت ملتقى شركات السياحة والسفر من ثماني دول عربية لمس اهتماماً ملحوظاً من قبل الأشقاء في إعادة التعاون السياحي مع سورية وإرسال مجموعات سياحية إليها هذا الصيف بعد أن قام بتصحيح معلوماتهم القديمة عن اتساع رقعة الأمان والحياة الطبيعية التي يعيشها مواطنو شعبنا في معظم بقاع بلدنا بفضل بطولات وانتصارات جيشنا الباسل والقوات الحليفة والرديفة، وأيضا بعد إعادة فتح معبر نصيب جابر على الحدود السورية الأردنية.

وهذا ماجعل العديد من أصحاب شركات السياحة العرب يتحمسون لإعادة تفعيل السوق السباحي السوري وإدخاله ضمن خطط برامجهم لعام 2019 وخاصة من مصر والعراق وتونس والأردن من خلال تسيير مجموعات سياحية من بلدانهم إلى بلدنا وخاصة: دمشق السيدة زينب معلولا صيدنايا قلعة الحصن الساحل السوري (بحراً وجبلًا) وبالفعل بدأت بعض المجموعات السياحية اللبنانية بزيارة منطفة الساحل السوري وخاصة ريف طرطوس الشرقي ولو على نطاق محدود العدد حتى الآن، كما أبرمت مؤسستنا عقداً مع إحدى شركات السياحة العراقية لاستقطاب مجموعات سياحية إلى دمشق والساحل عبر مطار دمشق الدولي ولمدة ثمانية أيام، ومن المتوقع وصولها في أواخر شهر آب إن شاء الله.

ونوه إلى أن السياحة بشكل رئيسي تعتمد على الأسعار والخدمات والمواقع السياحية والتعامل مع السائح، فبالنسبة لأسعار الفنادق والمطاعم والشاليهات فهي لا تساهم أبداً في تنشيط الحركة السياحية النائمة، فالأسعار لا تتناسب مع الخدمات المقدمة ولا مع أسعار البلدان الأخرى مثل لبنان ومصر وتركيا فأسعارنا كأنها مخصصة لفئات معينة محدودة أو لكبار رجال الأعمال فقط أو لأشهر الصيف وحسب وهي لا تتجاوز ثلاثة أشهر أو أقل، أما ما يسمى في المفهوم السياحي ثقافة التعامل مع السائح فهي شبه معدومة علماً أنها مادة يتم تدريسها في المدارس وتبنى من خلالها العادات والأعراف السياحية، ولكننا للأسف ما زلنا بعيدين عن تلك الثقافة ونتعامل مع السائح وكأنه قادم إلينا لمرة واحدة فقط وهي فرصة ذهبية لاستغلاله بشتى الوسائل على مستوى السعر والخدمة.

كذلك فإن أسعار الفنادق والمطاعم والشقق المعدة للتأجير السياحي مبالغ بها كثيراً بالقياس إلى الدخل المحدود للمواطن وخاصة فئات العمال والموظفين والمتقاعدين والعسكريين وصغار الكسبة بشكل عام، فاستئجار منزل متواضع في صلنفة أو كسب خلال فترة الصيف قد يقارب المليون ليرة سورية، أما إذا كان الاستئجار بشكل يومي فلا يقل عن 25 ألف ليرة، وينطبق الأمر على الشاليهات البحرية أيضاً، وقد سمعنا الكثير عن الشواطىء الشعبية إلا أن وجودها مازال محدوداً وهو مقتصر حالياً في محافظة اللاذقية على مسبح جول جمال الذي أعاد مجلس مدينة اللاذقية مشكوراً تأهيله خلال زمن قياسي وبأسعار مقبولة، وشاطىء (لا بلاج) في وادي قنديل والذي أنشاته وزارة السياحة، وهما افتتحا منذ أيام قليلة ووجدا الاستحسان والثناء من قبل مرتاديهما، ونأمل أن تتسع التجربة لتشمل مناطق جديدة خاصة أننا نملك شواطىء رائعة وعلى امتداد مساحات شاسعة ومنها لم تطله بعد يد الاهتمام والتطوير، وكم هو مؤلم لأبناء مدينة البحر أن يكون ارتياده حلماً لهم، ولا نعتقد أن تخصيص شواطىء مجانية تماماً أمر صعب ولا يطلب المواطن سوى وضع (ماسورة) على شكل زاوية قائمة تسمى (دوش) يتيح للمواطن أن يسبح مع عائلته عدة مرات وهو يتكفل بإحضار مظلة واقية للشمس ومعدات طعامه وشرابه وكفى الله المؤمنين شر القتال. ولفت إلى إن تحسن الوضع الأمني في أغلب المحافظات وما تبعه من تحسن في الواقع الخدمي من خلال جهود كافة الجهات المعنية في الدولة، ويجب أن يحفز جميع العاملين والمعنيين في القطاع السياحي في بلدنا لإعادة إدراج اسم سورية لمكاتب السياحة العربية والأجنبية ودعوة كافة شركات السياحة الخارجية التي كانت تعمل مع السوق السياحي السوري قبل الأزمة أو الشركات التي تأسست خلال سنوات الأزمة

وأضاف زين أن هناك دوراً متكاملا يجب أن تمارسه كافة الأطراف المعنية بتطوير العمل السياحي وترغيب اجتذاب الوفود السياحية وهو مناط بوزارتي الإدارة المحلية والسياحة وكذلك غرف السياحة، وإيلاء مسألة توفير البنى والخدمات الضرورية لهذا القطاع كل الاهتمام المطلوب، وذلك بغية الاستثمار الأمثل للمقومات السياحية التي تمتلكها المدينة، وذلك بهدف تفعيل مساهمة هذا القطاع الاقتصادي الهام وتوفير التسهيلات اللازمة للمشاريع الاستثمارية القائمة، ولإزالة العقبات التي تعترض المشاريع المتعثرة بغية وضعها في الاستثمار لتلبية الاحتياجات الحالية والمتطلبات المستقبلية للسياحة، ولاسيما من المنشآت الخاصة بالسياحة الشعبية القادرة على تلبية احتياجات هذه الشريحة الواسعة من المواطنين التي لا تتلاءم منشآت الخمس نجوم مع إمكانياتها المادية.

ولفت إلى أهمية تنويع المنتج السياحي بهدف جذب السيّاح وضرورة إقامة المنشآت المتعلقة بشتى أنواع السياحة الدينية والترفيهية والعلاجية والاستجابة للطلب المتزايد على هذه الأنواع وتوفير البنية التحتية القادرة على منافسة الدول القريبة منها والتي تنافسنا في هذا الجانب الذي يمكن أن يحقق لنا عوائد كبيرة فيما لو أحسن استثماره، لافتاً في هذا الجانب إلى الفعاليات التي تروّج لهذا الأمر وتدعم جذب المزيد من الاستثمارات إليه من خلال توفير المعلومات المطلوبة من المستثمرين للاستثمار فيه ومتابعة تسريع الإجراءات المطلوبة لهذا الاستثمار مع الجهات المعنية في الدولة.

وأشار إلى الآثار السلبية التي تركتها الأزمة على القطاع السياحي والتي تمثلت بهجرة العمالة المتخصصة وإيقاع الخسائر بأصحاب المنشآت نتيجة قلة العائدات وتعرض الكثير من المنشآت للسرقة والتخريب وغير ذلك ولكن هذا القطاع بدأ بالتعافي والعودة التدريجية إلى المستويات التي كان عليها قبل الأزمة خصوصاً وأن محافظة اللاذقية كانت من المحافظات التي بقيت آمنة وأقل تعرضاً للنتائج المباشرة للأزمة ولم تغلق مكاتب السياحة أو يتوقف عملها بل بقيت صامدة وهذا الأمر هو من طبيعة المواطن السوري الذي اعتاد على الحروب والأزمات التي مرت به وأثبت فيها قوته ومسؤوليته وانتماءه لوطنه وعمله وعائلته وكان البديل تنظيم رحلات داخلية إلى مناطق ريف طرطوس كمثال. وعن رؤيته المستقبلية لتطوير هذا القطاع ذكر زين أن مرحلة إعادة الإعمار والبناء تستدعي زيادة عدد المنشآت السياحية لتستطيع تلبية زيادة الطلب السياحي خلال المرحلة القادمة والارتقاء بسوية تلك الخدمات لزيادة قدرتها التنافسية، والمرحلة القادمة يفترض أن تكون مرحلة عمل بغية تلافي التقصير الذي حدث في الفترة الماضية لما فيه خير القطاع السياحي وزيادة مساهمته في دعم اقتصادنا الوطني.

على أرض الواقع: «كل شي بسعرو»
قمنا بجولة على عدد من المنشآت السياحية في المحافظة بسويات مختلفة، لمسنا بأم العين الأعداد الكبيرة للمواطنين فيها بجميع مستوياتهم المادية،مع إجماع على غلاء الأسعار مقارنة بالخدمات المقدمة، ففي إحدى منتجعات الـ 5 نجوم حدثتنا نسرين عن اشتراكها الشهري بقيمة 250 ألف ليرة للدخول للسباحة لها ولابنتها مع حجز شيزلون ومظلة لافتة لارتفاع أسعار المشروبات والطعام الخيالية ما يضطرها لإحضار طعامها معها، بدوره ذكر عمار أنه اضطر لحجز شاليه في منتجع جبلي لضيوف قدموا لزيارته بمبلغ 77 ألف ليرة لليوم الواحد مع وجبة الفطور فقط، وقال سومر إلى أنه يأتي برفقة زوجته مرة كل أسبوع برسم دخول 4000 ليرة للشخص الواحد، وعلى مسافة ليست ببعيدة قابلنا أسرة في أحد الشواطئ المفتوحة أنهم يأتون مرة في الشهر مع زوادتهم برسم دخول يقارب 3000 ليرة لطاولة و 4 كراسي ومظلة عدا بقية المصاريف ولكن إغراء السباحة ومطلب الأولاد يفرض علينا التضحية بربع الراتب.


 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني