لا للعدالة الحكومية!

لا للعدالة الحكومية!

يوسف أحمد سعد

ربما غاب مصطلح العدالة عن الساحة الاقتصادية والاجتماعية السورية لفترة ليست قصيرة، فتعبير العدالة لا يستخدم إلا نادراً وتحديداً عند استعراض كتب الفلاسفة الإغريق الذين أسرفوا في استخدام هذه الكلمة.
وقد انشغلت الحكومة وأشغلت رعاياها معها في كنه الدعم وأساليبه ووسائل تنفيذه ضمن سياق العدالة الحكومية ذائعة الصيت.
سبق وأن أطلقت أكثر من بالون اختبار حول رفع الدعم ومسوّغاته، وبغض النظر عن أهمية طرحها هذا فإنه سُحب من التداول وبات على الحكومة أن تُطلق رؤية جديدة أو شكلاً جديداً من رؤيتها القديمة، فلم تتأخر وأطلقت سجالاً حول إعادة توزيع الدعم وهي توحي بذلك أنها تملك فائضاً من السيولة المالية تُريد أن تقدّمه لمواطنيها كإعانات عينيّة وتدفع عنهم جزءً من أسعار سلعهم وحاجياتهم، وهي تزعم أنها تُريد أن تقوم بذلك ضمن أجواء من العدالة والنزاهة والحيادية المطلقة.
هنا، وهنا تحديداً ظهر العجز المستتر في اللغة العربية لا يدحضه إلا عجزٌ ظاهر في السياسات الاقتصادية الحكومية، فالعدالة في المنطق هي مساواة ولكن المساواة في الدعم الحكومي هو ظلم ونقيض للعدالة.
الدعم في المنطق هو إقرار بوجود أحد ما عاجز لا يستطيع الاستمرار وأن على أحد ما إسعافه وإمداده بوسائل الاستمرار، والدعم الحكومي هو إقرار من الحكومة لا يقبل الشك أن لديها مواطنين غير قادرين على شراء احتياجاتهم وتدفئة أطفالهم وغير قادرين على شراء خبزهم على الرغم أنهم مواطنون سوريون لديهم حكومة ولديهم شعراء يتغنّون بإمكانيات سوريا وثرواتها، وأن لديها مساحات خضراء ومساحات مخضرّة، ولديها الجداول والأنهار والسواحل والجبال والهضاب والآثار والنفط والمحاصيل الاستراتيجية, وغير الاستراتيجية وسماد الأرض الكيماوي وغير الكيماوي، والأهم من ذلك أن لديها هيئة لتخطيط الدولة وخطط تنموية خمسية منتظمة احتفل السوريون منذ عشر سنوات بيوبيلها الذهبي.
الآن وقد انجزنا خططنا الخمسية والخماسينية ونستعد للخروج من الربع الأول من القرن الواحد والعشرين وكذلك للخروج من التسع العجاف, ومازال مجتمع العدالة والمساواة يزداد ابتعاداً بنفس القدر الذي يزداد به الدعم ضرورة،
الآن حان لنا أن نعترف بأن الدعم هو أشدّ وسائل التعبير عن العجز الحكومي وعن عقم سياسات الإصلاح الاقتصادي.
الدعم هو الاعتراف الصارخ بأن الحكومات المتعاقبة لم تستطع أن تصل بالمواطن السوري إلى مرحلة يستطيع بها أن يأكل ويشرب بإمكانياته، فكيف إذا أراد أن يُنشئ بيتاً وأن يتجاوب مع دعوات وزارة السياحة للمشاركة في البرامج السياحية السخيّة؟
أو فيما إذا أراد أن يجرّب حظّه وأن ينضمّ إلى أسرة المكتتبين في الشركات العقارية عابرة القارات والتي حطّت رحالها على تخوم العاصمة وبساتينها.
إن الحكومة تجتهد الآن في دعم الخزينة العامة، وتجتهد في مد يديها إلى عميق جيوب مواطنيها ضرائباً ورسوماً ومستحقات رفاهية، لتؤمن لهؤلاء المواطنين موارداً لتغطية الدعم، فيا لها من سياسة اقتصادية، ويا له من إجراء يحترم كرامة المواطن ومهام الدولة.
تفتخر الحكومة بأنها تقدم مليارات من الدعم للمواطن، ولكن المواطن لا يستطيع أن يمنن الحكومة على أنه يقدّم هذه المليارات لها سلفاً.

أنه ليس دعماً, بل تهرّباً وتوطئة وتواطئاً، لقد آن أن نقول الأسماء بمسمياتها، فالدعم هو عجزٌ حكومي وقبول الدعم هو انخفاض في سقف الكرامة الوطنية، وكذلك الكرامة الشخصية، والسكوت على الدعم هو مجاملة للحكومة بأن تُعفى من مهامها الأساسية بدعم فرص العمل للمواطنين ضمن بيئة من العدالة والقضاء السريع والعادل وسيادة القانون, وقبل سيادة القانون تصحيح آليات صنع القوانين.
وإذا كان لابد من الدعم فلماذا لا تدعم الحكومة تلك السلع التي لا يمكن تهريبها وتمتنع عن دعم السلع التي تُهرَّب طالما أن الحصيلة هي نفسها، فعلى سبيل المثال فإن كافة المواطنين يستخدمون الهاتف النقّال ويدفعون لشركات الهاتف أكثر مما يدفعون على التدفئة، فليكن الدعم لفواتير الهاتف النقّال مع مراعاة سقف معيّن.
كما أن كافة المواطنين يستخدمون الكهرباء والماء ويدفعون فواتير كبيرة، فليكن الدعم أيضاً ضمن سقف معين أيضاً، وهذا الأمر لا يحتاج إلى بطاقات تموينية ولا يمكن لأحد أن يهرّب الماء والكهرباء أو الكلام.
هذا من ناحية, ولكن طالما لا بد من التعامل مع العجز الحكومي المزمن والفشل في تمكين المواطن من شراء بعض اساسيات الحياة دون دعم , و أن المواطن مجبر أن يمد يد الاستعطاف وأن يقبل من الحكومة يد الرحمة.
فإن السؤال المحير الذي لا تريد الحكومة الإجابة عنه هو لماذا الإصرار على دعم السلعة ولماذا الإحجام عن دعم المستهلك؟!
لماذا يدعم الرغيف ليستفيد من دعمه رجال الأموال والأسر الميسورة مثلهم مثل الأسر المعدمة؟!
ولماذا يتم هدر 25% من الخبز علفاً للحيوانات لانخفاض سعره عن سعر الأعلاف؟!
لماذا تنفق الحكومة المليارات سنوياً من أموال دافعي الضرائب على دعم السلعة لتهدر, ولماذا لا يتم دفع هذه المليارات نفسها سنوياً للأسر الراغبة بالدعم عن طريق البطاقة الذكية أو دفتر العائلة؟ ويتم إحداث صندوق للتعاضد الاجتماعي يمول من تنازل بعض الأسر الميسورة عن مستحقاتها من دعم الخبز والمازوت وغيره,
لماذا لا تعترف الحكومة أنها بهذا الإجراء تتمكن من الحد من الهدر حيث تباع السلعة بقيمتها الحقيقية, ويتمكن المواطن من ترتيب أولويات استهلاكه واستخدام هذا الدعم المادي لحاجياته حسب الأولويات,
في كل بلدان العالم المتقدم هنالك شرائح اجتماعية من غير العاملين تستحق الدعم, وكل حكومات هذه البلدان تعمد إلى تقديم دعم مادي, ولا يتم دعم سلعة أو اكثر على الاطلاق.
فقط في سوريا حيث دعم السلعة والامتناع عن دفع بدلات دعم نقدية ضمن نفس كتلة الدعم,
فقط في سوريا حيث يفتح دعم السلع باب الفساد والهدر والتهريب على مصراعيه
إنه الدعم، إنه العلامة الفارقة المُخجلة في تاريخ سوريا المعاصر.

 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني