شهادات التعليم في سوريا تدخل مضمار البيع فمن يشتري؟

شهادات التعليم في سوريا تدخل مضمار البيع فمن يشتري؟

نور علي
لم يعد الحصول على درجات عالية في الامتحانات الدراسية السورية يحتاج إلى اجتهاد وذكاء وجد في الأداء، بل بات الأمر يحتاج فقط لدعم الشخص الفلاني بعد دفع المبلغ الفلاني لتكون كل الفروع العلمية بكافة خياراتها متاحة أمامك، وحتى الحضور للامتحان لم يعد ضرورياً، يكفي أن يكون المال حاضراً ليحضر معه كل شيء. ما إن تعلن عن رغبتك في الحصول على شهادة تعليمية حتى يبدأ سماسرة الامتحانات بالظهور للعلن والاصطياد في الماء العكر، وطبعاً ليسوا سواسية فهناك سماسرة يعملون من تحت الطاولة وهم صغار الدعم وشهاداتهم الممنوحة مزورة، وسماسرة رفيعو المستوى يعملون من فوقها ويمنحون الشهادات النظامية القانونية، وهؤلاء هم النموذج الأكبر فهم يحملون أسماء عائلات كفيلة لإنقاذهم.

في حالة الشهادة المزورة يكون المبلغ المدفوع أقل نسبياً من الشهادة النظامية، وعلى الرغم من أن الشهادة المزورة تكون مصدقة من الإمتحانات ومختومة، إلا أن الشاري لايمكنه الاستفادة منها سوى في الشكليات فقط أي أنه لا يستطيع من خلالها الحصول على أي مقعد في الجامعة أو فرصة عمل حكومية أو اعتمادها خارج سورية، والسعر يكون 250 ألف ليرة سورية للشهادة الإعدادية و 500 ألف ليرة سورية للشهادة الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي.

أما في حالة الشهادة النظامية، فالمبلغ المطلوب يكون مرتفعاً جداً وشبه خيالي، ويمكن للشاري من خلال هذه الشهادة المصدقة والقانونية أن يكمل دراسته ويصل للمرحلة الجامعية ويختار الفرع الذي يحلو له حتى ولو كان طب بشري، ويمكنه أيضاً أن يتقدم بها لمسابقات التوظيف ويستفيد منها بشكل رسمي داخل سورية أو خارجها، والسعر يكون للمرحلة الإعدادية مليوني ليرة سورية وللثانوية 3 ملايين ليرة سورية أو حسب الإتفاق وفي كلا الشهادتين ليس على الشاري أن يتكبد عناء الحضور فأينما كان تصله الشهادة جاهزة على طبق من ذهب.

بلا علم أو خبر يمكنني أن أصبح طبيباً
كاميرا المشهد وفي حوار سابق لها مع أحد أهالي الطلاب وهو عضو مجلس مدينة سابق لمحافظة اللاذقية على خلفية تجربته الشخصية مع سماسرة الإمتحانات، خاصة وأن مديريات التربية والمراكز الإمتحانية تدعي النزاهة الأمانة والنموذج المثالي للعملية الإمتحانية، حيث قال: «أردت أن استفسر كيف يمكنني أن أقدم لولدي المساعدة في امتحانات الشهادة الإعدادية، وقمت بالجلوس مع أحد الأشخاص الذين لهم باع طويل في هذا المجال، فطلب مني مبلغ 250 ألف ليرة سورية مقابل الحصول على شهادة إعدادية مزورة غير مسجلة بدائرة الامتحانات ولكنها مختومة ومصدقة، فرفضت لأني اعتبرتها متاجرة بالعلم وأنا قابلت هذا الشخص بغرض المساعدة لولدي وليس شراء الشهادة .« وأضاف: «الفضول دفعني للغوص في هذا العالم أكثر وهذه المرة التقيت بمن يسمونه عراب الإمتحانات وهو رجل أربعيني وَأوهمته أن الشهادة لي أنا وليست لولدي، سألني ماذا ستفعل بالشهادة وأنت في هذا العمر، فقلت له لن أصبح وزير أو طبيب ولكني أريد أن أعطي حافزاً لأولادي من خلال حصولي على الشهادة، فسألني هل لديك فكرة عن المبلغ الذي يترتب عليك دفعه، قلت له حسب معلوماتي ليس أكثر من 50 ألف ليرة سورية، فنظر إلي مستهجناً وقال لي هذا لا يغطي قيمة مادة واحدة فما بالك بقيمة الشهادة كاملةً والتي تبلغ مليونين ونصف ليرة سورية مختومة ومصدقة ومسجلة بدائرة الإمتحانات ودون عناء الحضور فهي تصلك جاهزة أينما كنت، وإذا أردت بإمكاني أن أعطيك شهادة ثانوية فرع علمي ومن ثم اختر الفرع الجامعي الذي يحلو لك وطبعا لكل شيء ثمن.

شهادات جامعية تباع وحياة المواطنين هي الثمن
مشافي سورية عديدة وثقت فيها حالات كثيرة لضحايا قضوا نتيجة أخطاء طبية قاتلة أقل ما يقال عنها غباء بامتياز ولا تمت بصلة لطبيب متعلم ومهني، بل تثبت وبجدارة كم أصبحت حياة المواطنين رخيصة تباع وتشترى كأي سلعة، فالخطأ الطبي وارد ولكن في حالات يعطى فيها المريض جرعة تخدير عالية كتلك التي حصلت مع الشابة ريتا بسام التي دخلت مشفى المواساة في دمشق لإجراء عملية انحراف وتيرة، أدت جرعة التخدير العالية لتوقف قلبها لمدة 13 دقيقة ليتم انعاشها بواسطة الصدمات الكهربائية ودخولها في غيبوبة بسبب تلف أعصاب الدماغ.

وماذا عن الشابة مريم صومي التي دخلت إلى مشفى دراج باللاذقية لإجراء عملية بسيطة لإزالة ندبة في الصدر ناجمة عن عمل جراحي سابق، وخلال عملية التخدير حدث الخطأ حيث كانت الغرفة باردة جداً لدرجة أن المريضة استغاثت بالطبيب وقالت له أنها ستتجمد من البرد وفعلا بعد 45 دقيقة فقط دخلت مريم في غيبوبة، وما يثير الاستغراب أن الطبيب لم ينتبه إلى أن مريم قد دخلت في الكوما واكتفى فقط أن يغطي وجهها.
وأخيراً الطفل كرم الذي فقد عضوه التناسلي في إحدى مشافي ريف دمشق بعد أن قام أحد الأطباء ببتره بدل ختانه، حيث اكتفت المشفى بتقديم الإعتذار لذوي الطفل عن هذا الخطأ الطبي. اليوم أصبح للشهادات التعليمية سوق وأصبح لها تجار وبين البائع والشاري يفتح الله، فعندما تعطى الشهادات لمن لايستحقها وتسلم حياة المواطنين لمن يدفع أكثر فلا عجب أن تكون النتائج كارثية، ولكن من المسؤول..؟


 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر