الحرب أجبرت "القرباط"على الرحيل إلى دمشق "مهن انقرضت لينتعش التسول"

الحرب أجبرت "القرباط"على الرحيل إلى دمشق "مهن انقرضت لينتعش التسول"

خاص - محمود الخطيب

خلال سنوات الحرب، أجبرت قبائل الغجر التي تعرف شعبيا باسم "القرباط"، أو "النور"، على هجر الخيام والإنصهار في المدن الكبرى كدمشق، التي ارتفع عدد سكانها إلى الضعف إن لم يكن أكثر عما هو الحال قبل آذار من العام 2011، وأدى هذا الاندماج غير المحسوب إلى تحول الغجر إلى التسول كتعويض عن المهن التي كانوا يعلمون بها قبل رحيلهم الإجباري إلى المدن.

"الوناسة" و "التبصير"
"الوناسة"، مهنة لعدد من الصبايا اللواتي كن يقفن على الطرقات العامة في محيط العاصمة ليرافقن سائقي الشاحنات خلال رحالاتهم بين المدن السورية، وكانت تعرف "الوناسة"، بهذا الاسم من تقديمها التسلية بالحكايا والأغاني للسائق طوال رحلته، وما إن يصل إلى محطته الأخيرة، حتى تتقاضى الفتاة أجرها الذي كان يتراوح بين 200-500 ليرة سورية، تحددها المسافة المقطوعة، لتعود إلى دمشق مع سائق شاحنة أخرى، وهذه المهنة لم تكن تخشاها الفتيات لكونهن دوما مسلحات بـ "الموس الكباس"، وفقاً لما ترويه "سعاد"، البالغة من العمر 32 عاماً، والتي كانت تعمل في هذه المهنة قبل أن تجبرها الحرب على الرحيل مع ذويها إلى منطقة "بساتين الروضة"، في مدينة "جرمانا"، لتمتهن التسول بعد ذلك.

"أم سعاد"، التي تدخل النصف الثاني من العقد الخامس من عمرها، كانت تعمل قبل الأزمة في التبصير، وتحمل صرة من القماش التي تحتوي على مجموعة من الأحجار والصدف والخرز لتقرأ الطالع لزبائنها الذين كانت "تتصديهم"، في منطقة المطاعم بجبل قاسيون المطل على العاصمة، وغالباً ما يكون الزبون من "أهل الدشداشة"، أي من السواح الخليجيين الذين كانوا يميلون جداً إلى قراءة الطالع، ويدفعون أكثر من غيرهم، وتقول "أم سعاد" خلال حديثها لـلمشهد: "إن التبصير مهنة أنظف من التسول،" لكن الظروف التي تمر بها البلاد منعتها من ذلك، وأجبرتها على مدّ اليد والشحاذة، وليست خجولة من مهنتها هذه ولا ممتعضة، ففي آخر النهار تكون الغلة بين 8-12 ألف ليرة سورية، حسب الموسم.

تركيب الأسنان.. وتبيض الطناجر
أيهم الذي يعمل حالياً على "بسطة خضرة"، في مدينة جرمانا، كان يعمل في تركيب الأسنان، مع والده الذي ورث المهنة عن أجداده، ويقول الشاب الذي تجاوز عتبة الثلاثين من العمر، إن "تركيب الأسنان الذهب أو الفضة أو العضم، كان رائجاً جداً في قرى ريف حمص التي كان يجولها مع والده للبحث عن الزبائن، وهي تجارة كانت مربحة لكون أسنان الذهب، مشكلة من المعدن المطلي بماء الذهب، كما أن أسنان الفضة، مشكلة من المعادن المطلية بماء الفضة، أي طبقة رقيقة جداً من المعادن النفسية التي لا تصدأ، ويؤكد إن الزبائن كانوا يفضلون بضاعتهم على مراجعة أطباء الأسنان، لكونهم – أي الأطباء- يتقاضون أجوراً كبيراً، وتكاليف التعويضات السنة عالية، وزمناً طويلاً، وبالتالي فإن "مركب الأسنان"، من "القرباط"، كان يوفر المال والوقت، من وجهة نظر "أيهم".

ويضيف الشاب، إن أخوته كانوا يعملون بـ "تبييض الطناجر"، حيث كانوا يطوفون القرى ليقوموا بعملية صيانة للأواني النحاسية والمعدنية، من خلال معالجتها بمجموعة من المواد يعد "القصدير"، من أهمها، لتعود هذه الطناجر إلى لونها الطبيعي قبل كثرة الاستعمال، وكانت هذه المهن من المهن الرائجة جداً بين مجتمع "القرباط"، الذي يقسم على أساس المهنة لا على أساس العرق أو القرابة.

التسول.. أهم المهن
تعترف مريم إن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 16- 22 سنة هن الاكثر قدرة على جمع المال من خلال عملية التسول، وغالباً ما يتعرضن للتحرش الجنسي الذي يصل حد الملامسة إلا أن "الصوت العالي"، أكثر الأسلحة الدفاعية استخداما في زحمة المدن، وغالباً ما تكون "الغلة" للفتاة الواحدة ما بين 10-15 ألف ليرة سورية في أسوء الأحوال، على إن "أول الشهر"، يكون أكثر دسماً بالنسبة لها من آخره، كما إن مكان العمل يحدد قيمة المبلغ الذي يمكن جمعه.

مريم التي لم تتجاوز الثامنة عشرة من عمرها، متزوجة من ابن عمها الذي يعمل بجمع البلاستيك، من مكبات القمامة، وتعترف الفتاة إن لها ست أخوات يعملن في التسول، وتعيش مع زوجها وأخواتها في منزل واحد، ولديهم القدرة الآن على شراء أفضل منزل في جرمانا، إلا ان تخزين "الذهب"، أفضل من شراء البيت الذي قد "يروح ويروح أصحابه"، كمنزلهم في حي الحجر الأسود، الواقع بالطرف الجنوبي من العاصمة، والذي قتل فيه والدها وأمها على يد تنظيم داعش، في العام 2015.
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر