على هامش الحرب: نساء أثقلت عليهن الحياة

على هامش الحرب: نساء أثقلت عليهن الحياة

لانا الكريدي
ﻋﻠﻰ هامش الأزمة السورية بعيداً عن الصراع العسكري والسياسي، هناك صراع من نوع آخر، صراع البقاء. وفي صراع البقاء تبرز أبشع الممارسات التي نشاهدها يومياً بكل قسوتها، وفي مناخ الحرب وتداعياتها تبقى المرأة السورية الأكثر تضرراً. من بداية اندلاع الأزمة، ومنذ أيامها الأولى أجبرت الحرب المشتعلة المرأة على الخروج إلى سوق العمل في ظل تغيب الرجال وفرضت عليها الكثير من الأعباء التي تفوق طاقتها، حيث وجدت نفسها بعيدةً عن الأمان الاجتماعي فكانت المرأة منقذ العائلة التي هدمت سكينتها الأزمة السورية.

نسوة أثقلت كاهلهن الحرب
أم رامي التي اختارت طريقاً شاقاً لكسب لقمتها عندما ضاقت بها السبل فاختارت تنظيف منازل العوائل المقتدرة ودخول هذه المنازل وكسب ثقة اصحابها، فهي لا تحمل شهادات وليس لديها أي سند اجتماعي يعينها، تقول للمشهد: "بدأت رحلة المشقة عندما خرجنا من منزلنا المتواضع في الغوطة الشرقية بعد اشتعال الوضع ودخول المسلحين للمنطقة، ذهبنا إلى جرمانا واستأجرنا منزلاً صغيراً أنا وأطفالي الخمسة وزوجي المريض بالفشل الكلوي فهو لا يعمل من سنوات وما من خيار لدي لإطعام أطفالي سوى العمل وكسب اللقمة بالحلال على حد قولها، تضيف أيضا أخرج للعمل من الصباح الباكر حتى بعد الظهر لأعود بمعدل من 3000 إلى 4000 ليرة سورية لا تكاد تسد رمق العائلة."

 وفي زاوية أخرى من خاصرة هذا الجرح السوري العميق مشهد آخر هو بعيدٌ قريب، الشابة وفاء القادمة من ريف حلب الشمالي، لتلتحق بإحدى الدورات التدريبية للحلاقة النسائية وتبدأ مشوارها في صالونها الصغير الذي لا تتعدى مساحته 4×3 كرسي واحد ومرآة وتبدأ رحلة الكسب، تقول لنا: "أخي كل فترة يهددني بإغلاق الصالون ومنعي من العمل ويقول نحن لا نسمح لنسائنا بالعمل بينما نعيش أسرتان في شقة على الهيكل تفننا في إغلاق نوافذها بالنايلون والكرتون وأطفالي الثلاثة مصاريفهم كثيرة وزوجي مفقود منذ أكثر من ثلاث سنوات، ألا تكفينا آلامنا حتى يأتينا قهر إضافي من أقرب الناس لنا."

 عندما تجتمع قسوة الحرب مع ظلم المجتمع
 أما حنان الهاربة من ظروفها والمطلوبة من أهلها لعدم رضاهم عن مسيرتها وجدت نفسها في دمشق وحيدة تماماً، لتلجأ لتقديم خدمات تجميلية للنساء في منازلهن من تنظيف البشرة والأظافر وغيرها، ومعاناتها مع تأمين أجرة منزلها وقوت يومها وزيجاتها الفاشلة التي فرضها الواقع الاجتماعي المتردي. أما عينتنا الأخيرة التي لم نكلمها لكننا تتبعناها مصادفة أثناء زيارتنا إلى وفاء صاحبة الصالون، فهي فتاة لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة، أهلها قضوا في الحرب وتخلى عنها الأقارب وبدأت تكسب رزق الليل الرزق الأصعب.
 
 قد تبدو الألوان الفاقعة التي تختارها لوجهها الذي مايزال غارقاً في متوالية الأيام من قشابة ورداءة حتى في لحمها الذي لم يتدرب على مساحيق التجميل لأنها ماتزال في مرحلة الرزق الصعب، قد تقضي ليلة كاملة بلا شيء أو يكون حظها موفقاً فتحظى بزبون وتقضي ليلتها بمعدل من ألف إلى خمسة آلاف حسب الطلب وحسب العرض وبؤس ما يمكن أن يحدث في عمليات بيع الأجساد هذه التي تعد من التجارات الأكثر رواجاً في الحروب.
 
 سيدات سوريات من أجل التغيير
 جانسيت قازان والدة الشهيد أنزور الأباظة وعضو مجلس الشعب، تناولت الدور الذي وقع على عاتق النسوة السوريات خلال الأزمة السورية فروت لنا لمحة عن هذا الجانب قائلةً: "عند بداية الأزمة عام 2011 نادينا بعضنا نساء سوريات من مختلف المحافظات، اعتصمنا وخرجنا من منازلنا ورفضنا قرارات الجامعة العربية المجحفة بحق سورية، ومنذ ذلك الحين عقدنا العزم على المضي قدماً بما بدأناه واتخذنا العمل التطوعي بداية لنا للمساعدة قدر الإمكان في تخفيف وطأة الحرب ومعاناة أسر الشهداء فدخلنا منازلهم وحاولنا جاهدين أن نبلسم جراحهم ونكون العون لهم في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها البلاد."
 
 وأشارت إلى دور الفعاليات المدنية والمجتمع الأهلي تجاه هذه الأسر فحدثتنا عن مؤسسة سوريون الخيرية بوصفها رئيس مجلس أمناء المؤسسة، وما تقوم به من دورات تدريبة تستهدف شريحة النساء المتضررات من الحرب فقالت نحن نهتم بشكل أساسي بالأسرة والطفل من ثم فئة الشباب السوري، وأضافت أن حجر الأساس والدور الكبير في النهوض من الحروب وغيرها من الكوارث يقع على عاتق المرأة فبحسب قولها ان المرأة ليست نصف المجتمع فحسب بل هي المجتمع بأكمله لأنها تبعث الحياة في النصف الأخر وتحمل على عاتقها أدوارة شتى، فالنساء السوريات تجاوزن كونهن ينشئن الأجيال ويربين أطفالهن فحسب فكن عبر التاريخ ذوات دور ريادي في المجتمع منهن عشتار وجوليا دومنا وزنوبيا ملكة تدمر التي كانت أول من نادى بأن الأوطان تبنى بالتعليم والثقافة لا بالحروب والتدمير فالمرأة السورية عبر التاريخ متحضرة وقادرة.
 
 وألمحت إلى المفاهيم المعادية للمرأة التي يحملها الفكر التكفيري الوهابي وإلى ضرورة التصدي له ومحاربته وعلى حد تعبيرها، أنجزنا شوطاً كبيراً من المهمة ولولا ذلك لما كنا موجودات اليوم، فنساء كثر تضررن منه لمجرد تواجدهن في بقعة جغرافية محددة تحت راية هذا الإرهاب الأسود، لذلك لابد من توجيه الجهود نحوهن لمحو بعض من آثار هذا الإرهاب الفكري والجسدي الذي تعرضن له وأن نكون حاضنة لهن ليتم تأهيلهن وتمكينهن من جديد ليكملن مسيرتهن في بناء المجتمع.
 
 وتطرقت لدور المرأة في كونها صانعة سلام فقالت: "إن المرأة السورية كانت خير ممثل لأمها سورية فصمدت وصبرت وانتصرت، وعندما قلنا أننا سامحنا قتلة أبنائنا لم يكن من باب أن قلوبنا كبيرة ومتسامحة فقط. بل من باب إدراكنا كأمهات أهمية إنهاء هذه الحرب الظالمة على بلدنا وحرصنا على تقليص مساحة الدم وهذا مثال من أمثلة كثيرة لمساهمة المرأة السورية في صناعة السلام. لابد من احتواء تلك الشريحة."

 وفي حديث للمشهد مع الدكتورة نورا أريسيان عضو مجلس الشعب ورئيس جمعية الصداقة البرلمانية السورية الأرمنية قالت لنا إن الأم والطفل هما الأكثر تضرراً في الحروب. تاريخياً، في فترات الحروب يتم ابتزاز المرأة أكثر من أي وقت أخر. ومهما كان دور النساء في المجتمع أو البلاد التي تتعرض للحروب فاعلًا فهي كأم وزوجة مقاتل هي الأكثر تأثراً بعواقب الحروب.
 
 ولابد من الإشارة إلى أن النساء في الحروب تحولن كما في الحالة السورية إلى شريحة تشمل زوجة شهيد وأم شهيد وأبنة شهيد، تعيش حياة مختلفة عن فترة ما قبل الحرب. فشريحة النساء المتضررات من الحرب تبرز في مرحلة لاحقة للحروب، ولابد من احتواء تلك الشريحة بمعنى أنه لابد من العمل على إشراكها في المجتمع، بالإضافة إلى النساء اللواتي فقدن عملهن أو غيرها من الحالات، أعتقد أن أي خطة فردية لا يمكنها أن تتبلور بشكل صحيح، فما نحتاج إليه هو خطة حكومية شاملة تبدأ بإلإحصاء، وتحديد الشرائح المتضررة، وخلق فرص عمل في مشاريع متنوعة والعمل على تمكين النساء من الناحية الطبية والنفسية والتعليمية والعملية.
 
 كما قلت أن من واجب أعضاء مجلس الشعب نقل وضع المرأة للجهات المعنية والعمل على قضاياها، ويتجسد هذا الأمر من خلال لجنة الشؤون الاجتماعية، المعنية بقضايا المرأة والطفل والأسرة والقضايا الاجتماعية.
 
 وقالت أيضاً أن أهم ما تم إنجازه في الدور التشريعي الحالي هو إجراء بعض التعديلات على قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1953 ، والتي كانت خطوة هامة حيث تم تعديل حوالي 70 مادة شملت السفر والزواج الثاني والعصمة والعمل ورفض الإقامة مع الزوجة الثانية وتفاصيل في حق الحضانة، وهي خطوة باتجاه إعطاء المرأة كامل حقوقها.
 
 وفي نطاق تطوير المرأة وتشجيعها هناك مبادرات ممتازة في إطار دعم المرأة الريفية، حيث عُرفت المرأة السورية بصلابتها وقوى إرادتها، لكني أرى أن تطوير واقع المرأة يحمل مسارين: الأول اقتصادي والثاني اجتماعي سياسي. فالعنصر الاقتصادي يأتي في المرتبة الأولى ليرفع ويحسن من واقع المرأة، وذلك ضمن إطار حكومي. واختتمت بقولها أن الفترة القادمة تتطلب من الجميع أن يكون فاعلًا، فدور المرأة يبرز من خلال دور الأم.
 
 
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر