من يحمي الجامعات من مروجي المخدرات؟

من يحمي الجامعات من مروجي المخدرات؟

لانا الكريدي

كانت قضية الإدمان وماتزال من أهم المشاكل التي تواجه مجتمعات اليوم، وكان من الطبيعي ان تتفاقم هذه المشكلة مستفيدة من عبثية مستقبل مجتمعات اليوم ومن الخلل الأمني وسيطرة الفساد. في سورية وخلال سنوات الحرب تجاوزت هذه المشكلة عتبة الخطر بسبب وجود الظرف الموضوعي لانتشارها، والأخطر أن وباء المخدرات يستهدف اليوم بشكل رئيسي فئة الشباب ولاسيما طلبة الجامعات السورية.

في البداية وعند مقاربة هذا الموضوع ومناقشته، واجهتنا عدة عقبات، لعل أهمها عدم توافر احصائيات دقيقة وجدية، وتوسع رقعة الفوضى في البلاد وانشغال مؤسسات الدولة في قضايا أمنية وعسكرية معقدة، بالإضافة لوجود مناطق خارج سيطرة الدولة وعدم الثقة بالتصريحات غير الرسمية لمنظمات يغلب على عملها الطابع السياسي.

إلا أنه من المفيد التنويه إلى أن هناك مصادر متعددة تناولت قصص انتشار المخدرات في مناطق إدلب وحلب وأريافهما ويبدو هذا منطقياً في ظل غياب الدولة. أما عن المشاهدات المباشرة في أماكن أخرى فإنها لم تصل إلى مرحلة شيوعها كظاهرة.

في الجامعات
 أصبحت المخدرات وأحاديثها في الجامعات جزءاً من حياة الشاب اليومية دون أي حرج من تداول الحديث عها علناً.
في أوساط الطلبة نجد انتشاراً ملموساً لظاهرة تعاطي المخدرات، وفي معرض الترويج لها يلجؤون لاستخدام عبارات التحفيز مثل أنه المعيب على الشاب أو الفتاة أن يبلغوا الثامنة عشر دون تجربة الحشيش أو الكيف كما يسمونها، وأحياناً يتم اللجوء إلى التنمر والإهانة، الموضوع أصبح اتجاهاً ينم عن القوة والاستقلالية، الأمر أصبح أقرب إلى موضة يتم تقليدها دون وعي أو محاكمة منطقية للأمور.

ترويج وشهادات
من خلال شهادات لعدد من الطلبة في جامعة دمشق، قال ع-ن في البداية يبدأ الحديث عن الحشيش على أنه مجرد شيء يعطي شعوراً بالسعادة فقط، وأن المفهوم الدارج عن الحشيش أنه يؤدي إلى الإدمان مفهوم مغلوط وبإمكان أي شخص أن يدخنه ويتخلى عنه متى شاء.

أما أ-د فتحدث عن نوع آخر من أشكال التعاطي كالبودرة والحقن وحسب كلامه أنه لم يجربه ولكن أحد معارفه وقع في هذه الورطة مما انعكس على سلوكه المنزلي أولاً، فأصبح يريد الحصول على المال بأي شكل لأن هذا النوع من الإدمان يتسبب بآلام غير محتملة من برد ورجفة وألم في الظهر والمفاصل وإقياء وإسهال عند الحاجة إلى الجرعة التالية، فحسب كلام أ-د وصل به الحال لبيع مقتنيات والديه وتورطه بجرائم سطو وآخر المعلومات الواردة عنه أنه كان وصل إلى السجن.

أما الطالبة ”ع-ع“ فتروي لنا واقعة حصلت معها تقول: "كنا مجموعة من الأصدقاء في منزل أحدنا عندما بدأت الجلسة تأخذ منحاً آخر، حيث بدأ بعض الأصدقاء بتجهيز سجائر الحشيش، لم أكن أدرك ما يجري، حيث كانت المرة الأولى من هذا النوع استدركت الأمر عندما بدأوا بتناقل السيجارة فيما بينهم إلى أن وصل الدور لي، عندها اعتذرت بأني لست مدخنة وبدأت عبارات جربيها ما بتندمي وماشابه تنهال علي، تقول شعرت بالخوف عندها بدأت تصرفاتهم تزداد غرابة أردت الخروج ولكن نظراتهم لي كانت تربكني وكأني المتخاذلة ومفسدة المرح."

واللافت بالأمر أن بعض المروجين للفكرة يسوقونها على أنها أمرٌ شائع في الأوساط المتحررة ويعتبرونها طقساً متمرداً على الواقع وعلى عادات المجتمع التقليدية كما أنهم يعتبرونه رمزاً للتمرد والثورية. كما ورد على لسان م-خ  نفي من قبل إدارات الجامعات أوساط الجامعة على مستوى الإدراة ورئاسة الجامعة تنفي أن يكون الأمر قد وصل إلى حد القلق، ولكن هذا الأمر لاتؤيده الوقائع، خاصة وأن الأمر وصل إلى المدارس الثانوية والإعدادية.

كل الدلائل تشير إلى وجود مافيات تسوُّق بأساليب تجارية ذكية وتوظف صبايا جميلات للعمل والترويج في هذا المجال تحت ضغط الحاجة. وملفات الأمن الجنائي تشهد على خطورة هذه لظاهرة التي تحتاج إلى مقاربة جدية من قبل الجهات المعنية في الحكومة للحفاظ على الأمن الاجتماعي الذي أصيب بالخلل بعد سنوات الحرب الصعبة. في تحقيق قادم سوف نحاول الوصول إلى خبرة الجهات المختصة في مواجهة هذه الظاهرة والوقوف على كيفية كشفها ومتابعتها حتى نصل إلى تصور أفضل عن حجمها وطرق معالجتها.

 المشهد في إبن رشد
 المشهد زارت مستشفى ابن رشد في دمشق المتخصص في علاج الإدمان والأمراض النفسية، وقابلنا أحد المتعاطين الذي يخضع للعلاج في المشفى وكان من الطبيعي أن يتحفظ على ذكر اسمه لاعتبارات اجتماعية.
 
 روى لنا رحلته مع الإدمان، فهو شاب في التاسعة والعشرين من عمره درس إدارة الأعمال وأكمل علوم سياسية إلا أنه انقطع عن الجامعة ولم يتسنى له متابعة دراسته، يقول: "كنت أعمل في التجهيزات الطبية إلى جانب دراستي وأعيش حياة طبيعية تماماً ومستقيمة بعيداً عن أي مظهر من مظاهر الانحراف، كانت جميع الأمور على ما يرام إلى أن تعرضت لعملية نصب واحتيال من أحد المقربين مني فخسرت فيها كما يقول 'الحيلة والفتيلة' حصيلة عمل سنوات، مررت بظروف قاسية جداً وحالة نفسية يرثى لها، فنصحني أحد الأصدقاء بالتوجه إلى طبيب نفسي، زرت معظم أطباء البلد، تناولت ستة وثمانين دواءاً نفسياً على مدار أربع سنوات وهنا بدأت رحلة الإدمان على الأدوية النفسية، كنت في كل مرة أزور فيها طبيباً يكتب لي وصفة مكونة من خمس أو ستة أدوية منها وتتوالى دوامة المواد الإدمانية إلى أن جربت الكيف كما يسمى أي الحشيش هنا انقطعت عن تناول الحبوب واستمريت لفترة ليست قصيرة اتعاطى الحشيش إلى جانب المشروبات الكحولية إلى أن مررت بأزمة عاطفية أثرت كثيرا في مسار حياتي، توجهت بعدها مجدداً إلى طبيب نفسي وصف لي نفس الأدوية المعروفة، هنا أصبح الإدمان ثلاثي حبوب وحشيش ومشروب كحولي، أصبحت أتناول يومياً جرعات عالية بالإضافة إلى الحشيش.
 
 بدأت أشعر بحجم الدمار الذي حل بحياتي، نظرة الناس لي بأني شخص سيء السمعة، منبوذ، مكتئب بعد أن كانت حياتي مثالاً للاستقامة لذلك اتخذت قراراً باللجوء للعلاج.
 
 هذه المرة الرابعة التي أدخل فيها المشفى، ولكن كنت أعود للتعاطي. في هذه المرة كانت نتائج التحاليل جيدة ونسبة المادة المخدرة منخفضة جداً وتخليت عن تعاطي الحبوب والحشيش، وقال لي أحد الأطباء أن هناك دواء علاجي اسمه فالدوكسان سيحسن من حالتي النفسية وأنَّه آمن ولا يوجد له أعراض جانبية، ولكن علي التوجه للمصح والمكوث فيه من عشرة إلى خمسة عشر يوم قبل المباشرة بهذا الدواء."

حديث اختصاصي
في حديث لنا مع الدكتور غاندي فرح المسؤول عن علاج المدمنين في المشفى قال: "اختلفت أصناف المخدرات خلال سنوات الحرب ودخلت أصناف جديدة لم تكن شائعة من قبل، فعدم القدرة على ضبط الحدود أدى إلى رواج أنواع جديدة من المواد المخدرة، كحبوب الترامدول والكابتغون والبرينغملين بالإضافة إلى الحشيش التي أخذت من حصة الكوكائين والهروئين لسهولة الحصول عليها وتوافرها والفرق الشاسع في الأسعار بين المادتين،"

وأضاف الدكتور فرح: "أن أغلب حالات تعاطي الحشيش تترافق مع تناول الحبوب المخدرة، وتصنف المواد المواد تبعا لخطورتها وتبعاً لطريقة تعاطيها، حيث يعتبر الهروئين من أخطر المواد لما يتسبب به من مضاعفات صحية خطيرة وخصوصاً تعاطيه عن طريق الإبر كانتقال الأمراض عن طريق الدم والإنتانات الدموية والتهابات الكبد وتصلب الشرايين بسبب استخدام الحقن الملوثة والحقن في أماكن مؤذية في الجسم وعدم مراعاة شروط التعقيم،"

 وأشار الطبيب أن الجرعات الزائدة من المواد المخدرة تؤدي في حالات عديدة إلى الوفاة جراء توقف التنفس والخثرات الدموية. أما بالنسبة لنسب الشفاء من الإدمان فهي متأرجحة، حيث تعتبر نسب الشفاء من الإدمان عالمياً منخفضة بسبب عدة عوامل اجتماعية ونفسية، لذلك عند التحدث عن علاج الإدمان يجب أن يشمل العلاج جوانب متعددة إلى جانب العلاج الدوائي فهي ظاهرة عامة تشمل نواحي اجتماعية عديدة، وغالباً تكون الانتكاسات واردة بكثير من الحالات لسهولة العودة للتعاطي.
 
 عملية العلاج منقوصة

أكد فرح أن عملية العلاج تكون منقوصة لأنها لا تعالج العوامل التي أوصلت الفرد للإدمان كالعوامل النفسية والاجتماعية والبيئية والأسرية، كما أن طرق العلاج ليست متاحة جميعها في سورية، لعدم توافر جميع الأدوية المستخدمة في العلاج في سورية أو في الدول المجاورة وأسعارها المرتفعة، إلا أن المتوافر منها ليس سيئاً ويؤدي إلى نتائج معقولة وتوصل المريض إلى مرحلة الفطام عن المواد الإدمانية.
 
 وعند الحديث عن مرحلة ما بعد العلاج نواجه مشكلة كبيرة في المتابعة لما تفتقر له سورية من منشآت تأهيل المدمنين والتي تعد من أكبر المعوقات التي تواجه عملنا فنحن نطلب من مرضانا التواصل المستمر ومراجعة المشفى ولكن هذا لا يكون متاحاً دائماً ونحاول قدر الإمكان معالجة الأوضاع النفسية والاجتماعية للمريض ولكن يبقى دورنا محدوداً لأن عملنا يبقى داخل المشفى لعدم توافر الإمكانات والكوادر لإنشاء فرق متابعة خارجية.
 
 وختاماً أكد الدكتور فرح على ضرورة وضع خطة مستقبلية لإنشاء مراكز تأهيل للمدمنين لاستكمال عملية العلاج ومساعدة المرضى على العودة لممارسة حياتهم بشكل طبيعي وانخراطهم بالمجتمع ورفع سويتهم الإنتاجية، كما أكد على ضرورة التوعية الاجتماعية تجاه هذه الظاهرة، وتضافر جهود كل الجهات المعنية لأنها ظاهر متشعبة وجوانبها متعددة لا تستطيع جهة واحدة معالجتها بمفردها سواء كانت وزارة الصحة أو وزارة الداخلية أو وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. بل يجب تنسيق الخطوات المتخذة والبدء بخطة ممنهجة وجدية لمكافحة هذه الظاهرة،

إلا أن هناك ما يشير إلى وجود جدران صمَّاء وأبواب موصدة نتيجة غياب الشفافية وعدم تمكننا من الحصول على إحصائيات دقيقة وغياب قواعد البيانات التي يمكن البناء عليها لحل المشكلة. بالإضافة لجوانب خفية للظاهرة لا يمكننا الحديث عنها حتى لا تتحول لاتهامات ولكن بالتأكيد هناك خلل في معالجة الجهات الوصائية للظاهرة وعدم ضبطها واستغلال تجار الأزمات للظروف الراهنة.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر