مافيات الخردة تجند الأطفال السوريين في نبش النفايات

مافيات الخردة تجند الأطفال السوريين في نبش النفايات

نور علي
لم تشفع لهم أعمارهم الصغيرة وطفولتهم من مواجهة الاستغلال من قبل مافيات الأزمة، هم ليسوا بمتسولين وليسوا ببائعين متجولين، هم أطفال يقصدون الشوارع يومياً بحثاً في الحاويات المركونة بها عن بعض الخرداوات أو كما تسمى بالعامية قراضة كقطع بلاستيكية وقطع معدنية أو نحاسية وبعض  الكراتين وجمعها لصالح جهات معينة "تجار الخردة" الذين سخروهم لهذا الغرض، ليقوم التاجر بدوره بإعادة تدويرها والإستفادة منها.

 طفولة تبحث عن الحياة بين النفايات
 هم مجموعة من الأطفال عمدت هذه المافيات لاستغلال فقر عائلاتهم وخاصة في ظل ظروف الحرب التي جعلت نسبة كبيرة من السوريين تحت خط العوز والفقر. يقول الطفل "ماهر" ذو الرابعة عشر من عمره للمشهد: "توفي والدي منذ سنة وعلى إثر ذلك تركت المدرسة ونزلت إلى الشوارع، في البداية عملت في مسح وتلميع الأحذية للمارة في الطرقات، ومن بين هؤلاء المارة كان هناك شخص عرض علي فرصة عمل بجهد أقل من عملي هذا ومدخول أكثر وأنا دون تردد وافقت، والعمل هو في مجال نبش النفايات والبحث فيها عن الأواني الزجاجية أو البلاستيكية ووضعها ضمن أكياس كبيرة وإيصالها لمنزلي وهو بدوره يرسل أحدهم ليأخذ الحمولة ويعطيني أجرها".

 ويضيف ماهر: "الأجر الذي اتقاضاه عن كل هذا التعب بالكاد يسد حاجتنا اليومية من الطعام، صحيح أن أجره أعلى من مهنة مسح الأحذية إلا أنه أكثر عناء وتعباً وصاحب العمل لا يهمه سوى كمية الحمولة وعلى ماذا تحوي بغض النظر عن أي عائق قد أتعرض له وخاصة وأني أجول الشوارع وأبحث عن الحاويات في ساعات متأخرة من الليل"

 يضع عدة صناديق فارغة فوق بعضها لكي يستطيع الوصول إلى حاوية القمامة، هكذا يفعل الطفل "أشرف" ذو الثانية عشرة من عمره، يقول للمشهد: "أحد أقربائي يعمل في مجال نبش النفايات وذات يوم عرض علي أن أعمل معه مقابل 500 ليرة عن كل يوم وحدد لي مناطق معينة يجب أن أبحث في حاوياتها، على أن نلتقي يومياً عند دوار المحطة أسلمه أكياس الحمولة ويسلمني الأجرة".
 
يضيف أشرف: "قامتي قصيرة لا تسمح لي بالوصول إلى الحاوية، الأمر الذي يدفعني لوضع الصناديق الفارغة الخاصة بالخضار فوق بعضها لأتمكن من الوصول إليها، أكثر ما يتعبني هو المشي مسافة طويلة لأصل إلى دوار المحطة حيث مكان التسليم، وصاحب العمل وعدني مراراً بأن يجلب لي دراجة هوائية أستعين بها ولكنه لم ينفذ وعده بعد."
 
 نصف الحمولة لصاحب العمل والنصف الآخر له

 4 ساعات نوم مقابل 20 ساعة استيقاظ وبحث، هذا هو الروتين اليومي للطفل "عماد" ذو السادسة عشر عاماً وهو أكبرهم سناً. يقول الطفل "عماد" للمشهد: "أبي في السجن وأنا المعيل الوحيد، أعمل منذ 3 سنوات في نبش النفايات وجمعها، لا أجيد أي عمل آخر وفي ذات الوقت هي مهنة متاحة للعموم ولا تحتاج لرأس مال، لا أنكر أنها شاقة ومتعبة فأنا تقريباً أمضي يوم كامل وأنا اتنقل من حاوية إلى إخرى، إلا أنني أجمع حمولة لا بأس بها أعطي نصفها لمن هو مسؤول عن عمالتنا أنا واثنين آخرين والنصف الآخر أبيعه لحسابي الشخصي". ويضيف "عماد":"أغلب من يشتري حمولتي هم تجار يملكون معامل خاصة بتدوير النفايات والبعض الآخر هم تجار عاديون، ما أبيعه يومياً يكسبني من 1000 إلى 1500 ليرة سورية أنفقها مابين الطعام لأسرتي والحفاضات والحليب لأخي الصغير".

مخاطر نبش النفايات وموقف القانون  
  لا شك أن الأطفال خلال قيامهم بعمليات النبش يتعرضون للعديد من المخاطر، فبعض أكياس القمامة حكماً تحوي مواداً صلبة وجارحة كالزجاج المكسور مثلًا أو المعلبات الفارغة التي تكون حادة كالشفرة أو السكين، عدا عن الاحتكاك المباشر معها واستنشاق رائحتها، وكل ماسبق يسبب أمراضاً وبائية عديدة، ناهيك عن أنهم عرضة للإنحراف بسبب تواجدهم الدائم في الشارع وانخراطهم في وقت مبكر في عالم مبهم وغير واضح وتعاملهم مع أصناف متنوعة من البشر. هذا من الناحية الصحية، أما من الناحية القانونية فإن غياب قانون صريح يمنع عمالة الأطفال في نبش النفايات أو غيرها يفاقم من المشكلة، وخاصة في ظل تهميش هذه الفئة من قبل مؤسسات الدولة الاجتماعية والتنصل من تحمل مسؤوليتها وعدم إتخاذ خطوة جدية للحد من هذه الظاهرة أقلها وضع حاويات مغلقة منعاً للنبش وملاحقة الجهات التي تقف خلف تشغيل الأطفال في مثل هذه الأعمال، فعمالة الأطفال هي أسوء ما يمكن أن يخلفه المجتمع، بل هي أيضاً خطر محدق عليه، فالطفل تربة خصبة يتم زراعتها إما بشكل سلبي أو إيجابي.

 طفل ينبش في النفايات بعدسة المشهد  

 في صورة مشابهة يقف الطفل محمود ذو العشر سنوات أمام إحدى حاويات القمامة في اللاذقية وهو منشغل بنبشها وتقليبها. كاميرا المشهد التقت الطفل الذي بدا الخجل واضحاً على وجهه وحاولت أن تسلط الضوء على حالته التي تعتبر واحدة من مئات الحالات الموجودة بكثرة في مجتمعاتنا والتي نال منها الفقر وخاصة في سنوات الحرب الثمانية. يقول :"يومياً أقصد حاويات القمامة في مناطق مختلفة من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، أبحث في الحاويات أولًا عن بقايا الطعام بسبب الجوع والفقر وعن أشياء يمكنني بيعها مثل الصناديق والعلب البلاستيكية .
 يتابع محمود :"أنا لست في المدرسة ولا أحد يعيل أسرتي سواي فوالدي مريض ومتعب جداً ووالدتي لاتعمل، ونبش النفايات هو بمثابة عمل يومي نعتاش منه، فأي شيء أجده أقوم ببيعه والأسعار متفاوتة، وحصيلة البيع كل يوم أضعها بين يدي والدتي لتنفق على المنزل."

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر