"طاهر ماملي" الفن بصورته الحالية سمٌ قاتل(فيديو)

"طاهر ماملي" الفن بصورته الحالية سمٌ قاتل(فيديو)

 

دمشق - ريم غانم 

أضفى روحاً وحركة ممزوجة بالأكاديمية على الموسيقى التصويرية في الدراما السورية، فكان من الأشخاص الذين وضعوا بصمتهم عليها وشكلوا منعطفاً لفكرة التعاطي مع الموسيقى التصويرية، فكانت موسيقاه رفيقة أمسياتنا الدرامية التي ارتبطت مع اسمه، ومئات الأعمال الناجحة من الزير سالم مروراً ببقعة ضوء وأهل الغرام وليس انتهاءاً بضيعة ضايعة.
لم يكن من السهل أن تجد الكلمات والأسئلة التي تحاور بها الموسيقي السوري طاهر مامللي فتاريخه الموسيقي يضعك أمام مسؤولية سبر أغوار هذه الشخصية المثقفة المليئة بالإبداع التي تأخذك إلى عوالم أشبه بالحلم، والتي قادتنا إلى لقائه والدخول معه في حوار موسيقي تناغم بين الفن والموسيقى والواقع الثقافي الحالي.
الموسيقى وفقا لطاهر ماملي عنصر فني مهم كبقية العناصر ومكملة لبعضها، فهو يجد الموسيقى التصويرية حواراً مرافق للحوار، وسيناريو آخر مراد به مقولة المخرج أكثر منها للكاتب، لأن المشهد كسيناريو وحوار يطرح فكرة معينة قد لا تتطابق مع الموسيقى التي ليست بالضرورة أن تكون أيضا متوازية مع المشهد لكن يجب أن تكون منسجمة مع مقولة العمل، من هنا تحدث مامللي عن بداية تجربته الرائدة التي ساعدته دراسته للموسيقى الكلاسيكية بأن يكون فيها تهيئة أكاديمية ليقدم مشروعه الموسيقي للناس، واستطاع أن يقدم من خلالها تجربة موسيقية غنية تحمل في طياتها الكثير من الأكاديمية والدراسة، والتي كانت تحمل اللحن الشرقي المحمول على آلات العود والأصوات البشرية التي اقترب من خلالها من الأذن المحلية والعربية.

ويضيف من الصعب أن أحصي كل الأعمال التي قدمتها أو أستذكرها لكن من المؤكد أنني تجاوزت ال ٢٠٠ عمل، رافقها حالة إبداعية ونجاح وإخفاق، والذي برأيي ارتبط بعدد من العناصر مثل طبيعة كل عمل وأدواته، والتي نتأثر من خلالها بالأسلوبية الموسيقية التي تحدد لون وشكل وهوية الملف الموسيقي.

الترويج أبعد الشارة عن مهمتها
تلعب الموسيقى التصويرية دوراً درامياً ثالث ترتبط وتتماثل مع الصورة، غير الذي يقوم به الممثل والنص، بهذه الكلمات وصفها مامللي وقال: ترتبط الموسيقى بالعمل نفسه فهي يجب أن تكون مقرونة بالمشهد، خاصة أن مهمة الشارة الموسيقية التمهيد للمسلسل ،لكن في الفترة الأخيرة ابتعدت قليلا عن هدفها وأصبح منتجو الأعمال يتوجهون لجلب نجوم معروفين لغنائها ولو كان خارج الموضوع، وذلك لأسباب ترويجية.

لم أجد نفسي ولا في أي عمل قدمته
منذ عام ١٩٩٦ إلى اليوم يوجد في رصيد طاهر مامللي مئات الأعمال، في المقابل لم يكن يشعر بالكثير من الرضا عن هذه الأعمال، والتي وصفها وتحدث عنها: لا أجد نفسي في الموسيقى التصويرية وعملت مجبراً لأنني لا أملك خيار أخر، بل أجد نفسي عندما أصنع ألبومي الخاص بتوقيعي الخاص والخالص أي أن أؤلف موسيقى لأجل الموسيقى فقط وليس للدراما، وهذا ما لا نملكه في سورية بسبب الكثير من الظروف ليست الحرب منها، فنحن ليس لدينا قوانين ومراسيم تحتفظ بحق المليكة الفكرية بالتالي معظمنا حقوقه مهدورة، كما لا يوجد لدينا شركة إنتاج موسيقي تدعم هذا الخط من الفن، ولذلك توجهت إلى الدراما.

الدراما كانت النافذة الحصرية لأعمالي
على الصعيد الأخر يؤكد مامللي أنه توجه للدراما كونها النافذة الواحدة والحصرية لإيصال ما يقدمه من موسيقى للمتلقي، فأعماله وصلت من خلال التسويق للمسلسل وليس من خلال الموسيقى وهذا فرق كبير، لذا أكد:
"أننا نحتاج إلى شركات إنتاج قطاع عام داعمة كما يوجد في الدراما، وهو ما طالبنا به ولم يسمعنا أحد من أصحاب القرار، على اعتبار أن الجهات الخاصة لا تغامر بهذه الخطوة فكما يقال رأس المال جبان ولا يضع يده في خيار خاسر، فإذا أراد أن يستثمر في إنتاج الموسيقى يجب أن يضمن حصوله على الربح الذي يحتاج إلى تسويق وبيع وهذا غير موجود لدينا، بسبب عدم تطبيق قانون حماية الملكية الفكرية أيضاً، هذا بالإضافة أنه غير مطلوب من القطاع الخاص تقديم فن لتطوير الثقافة. 

ويضيف مامللي: " أنه من مساوئ عدم تطبيق قانون حماية الملكية أصبح أي أحد يسرق من غيره أي لحن وينسبه إلى نفسه، وهو ما حصل معي عشرات المرات ورفعت الكثير من الدعاوي لكن بدون جدوى، ولهذه الأسباب نفسها لم أضع أعمالي على الأغاني الخاصة، فمعظم الفنانين الشباب داخل سورية ليست لديهم القدرة على إنتاج أغاني خاصة مثل ليندا بيطار، لذا فأغلب الفنانين السوريين اشتهروا خارج البلد وصدروا إليها، من السيدة ميادة الحناوي لأخر مطرب مثل ناصيف زيتون.
الدراما بدون ذاكرة

حافظ ضيعة ضايعة على مكانه في الخارطة الدرامية على الرغم من أن الدراما ليس لها ذاكرة حتى مع أقوى وأضخم الأعمال، يضيف طاهر: "فهناك الكثير من الأعمال مثل الزير سالم" التي وضعت ألحاني عليه كانت فترة عرضه مختلفة حيث كانت الشوارع تخلو من الناس في فترة عرضة على شاشات التلفاز، في تلك المرحلة كان المشاهد السوري انتقائي وقادر على متابعة الفن أكثر من اليوم، لأنه حالياً أصبح يبحث عن منفس لروحه، خاصة أنه كان للدراما دور مهم في تهذيب الروح من خلال القيم والحالات الإنسانية التي تعرضها."
يضيف مامللي: "مثال آخر وهو "ذكريات الزمن القادم " الذي غنَّت شارته قامات متل ديمة أورشو وصفوان العابد، كانت شارة هذا المسلسل في تلك الفترة من أهم الشارات التي شكلت ضجة، اليوم وبعد عشرين عاماً أين أصبح هذا النوع من الدراما؟"

مشروعي يقوم على احترام المستمع
لم ينسب ماملي نجاح كل عمل قدمه لنفسه فقط بل كان يؤكد في كل فرصة بأن سر النجاح مرتبط بين العمل والموسيقى التصويرية ارتباطاً وثيقاً، لذا فهو يعمل ومن وجهة نظره على مشروعه الخاص أيضاً بأن أسلوبه الذي ميَّزه وبأن لا يقدم موسيقى لأجل الموسيقى فقط ولا الفن لأجل الفن، مضيفاً: "لديَّ مشروع موسيقي أريد من خلاله أن أقدم رسالة إنسانية ومثلما أطلب من نفسي أطلب من جميع الفنانين أن يكون هناك مسؤولية في العمل، والتي حملتها على عاتقي منذ أول يوم بدأت أعمل فيه، لذا يتوجب علي أن أستمرَّ باحترام هذا المستمع لآخر مشروعي، وبنفس الوقت لا يجب أن أسعى خلف الربح فقط، فالقصة هنا إشكالية فليس مطلوب من الفنان أن يكون نبياً ولا يغلط أو يسعى لمصالحه، لكن يجب أن يكون إنساناً ومخلصاً وصاحب ضمير ورسالة، وهذا ما فسره كثيرون عني بطريقة مختلفة."

أتبادل الآراء مع المخرج عن العمل
حجم الخبرة التراكمية لدى الموسيقي السوري جعلت لديه القدرة على أن يتدخل في بعض الأحيان ويعطي رأيه بالعمل الفني الذي يضع ألحانه عليه، وتحدَّث عن تلك التجربة بالقول: "أنا فعلاً من الأشخاص الذين يتدخَّلون بعمل المخرج كما أنني أسمع رأيه أحياناًمع المنتج في الموسيقى فهم قبل كل شيء مستمعون، وهي حالة صحية تنشر التفاهم بين الفريق وبقية العناصر، لكن من الممكن أن يصادر المخرج أو المنتج حرية الموسيقي أو صاحب الاختصاص عندها يصبح هناك مشاكل، وهو ما واجهته في كثير من الأعمال التي كان في بعض الأحيان أتشبث برأيي وأحياناً أهزم لأنني أرفض الاعتراف بالخطأ."

تخلف الذائقة
وتابع مامللي حديثه الموسيقي الذي وصل فيه إلى مشكلة الذائقة الفنية لدى الجمهور والتي وفقاً لرأيه أصبحت في انحدار مخيف جداً، لأنه وللأسف: "فقبل كل هذا التطور في أوروبا وفي كل العالم كنا نستمع إلى الشيخ إمام وزكريا أحمد وأم كلثوم، وبعد التطور المزعوم ودخول الفيديو كليب والسيلكون والنفخ والشفط أصبحنا في مكان أخر، وهي مسؤولية تتحملها الحكومات التي جعلت المال المتحكم الأكبر والذي يؤثر على الثقافة والبشرية، كونه لا يفكر سوى بالربح، على اعتبار أن الربح يتنافى مع مفهوم الإنتاج الراقي مما جعله يتجه صوب الاستسهال والبشاعة التي اقترنت به، من هنا أصبح هناك غزو ثقافي صنعه المال، اقتحم كل ما له علاقة بالإرث التاريخي والحضاري."
ويتابع: "هذه الحالة تستوجب من أصحاب القرار والنخب أن تقرأ الواقع بطريقة صحيحة، وإيجاد الحلول التي تتطلب من كل شخص أن ينطلق من مكانه، لكن بالنسبة لي وكموسيقي أخذ على عاتقه الفن كمشروع أحاول قدر المستطاع لكن لا أعرف إلى متى سأقاوم، فالغزو الثقافي أكبر بكثير من الحالات الفردية، وعليه يجب على الدولة أيضاً أن تتجه إلى بناء الإنسان عبر وضع الملف الثقافي من أولوياتها."

الفن سم مباشر
ترجع الجذور الفنية لطاهر ماملي إلى مدينة حلب، التي تعد منبعاً لكثير من الأنواع الموسيقية التي تحمل إرثاً كبيراً مثل القدود الحلبية، مؤكداً أن هذه المدينة كغيرها تأثَّرت وانساقت بالموجة الحالية الخطيرة وأصبحت تتجه صوب الاستسهال والانحدار كغيرها، رغم أن معظم الحلبيين وحتى الغير مختصين لديهم قدرة على تذوق الفن وسماعه بطريقة مختلفة، من هنا يجب أن ننتبه إلى أن الفن أصبح سماً غير مباشر وسلاحاً قاتلاً إذا لم ندرك قيمته، وبنفس الوقت هو خط دفاع، لذا يتوجب على أصحاب القرار أن يحافظوا على التراث الموسيقي فيها.

موسم غني بالتاريخي والاجتماعي أما بالنسبة لأعماله تحدث طاهر ماملي عن الموسيقى التصويرية التي أنجزها للموسم وهي "محي الدين ابن عربي" للمخرج أحمد إبراهيم أحمد والذي يضم مجموعة أغاني فيها موسيقى صوفيَّة، مؤكداً أنه مطلوب من كل القائمين على الفن اليوم أن يعيدوا الألق إلى الدراما التاريخية بعد فترة من النمطية في الأعمال.

ضيعة ضايعة عمل استثنائي
 وضع مامللي ألحانه على أبرز وأشهر الأعمال الدرامية السورية التي حققت شهرة واسعة على المستوى المحلي والعربي، ومنها
ضيعة ضايعة  العمل الذي وصفه الموسيقي السوري بأنه استثنائي والذي تحول كل جزء فيه من الديكور إلى الممثلين إلى الموسيقى وحتى البيوت إلى علامة سورية مميزة وبقي في الذاكرة.

طاهر مامللي من مواليد حلب 1966 درس الموسيقى في  المعهد العربي في حلب وتخصص بالعزف على آلة الكمان وتابع دراسة الموسيقى في المعهد العربي حتى انتهاء المرحلة الثانوية درس الموسيقى في باربيكان سنتر في لندن – بريطانيا وعند عودته إلى سورية تابع دراسته في المعهد العالي للموسيقى وكان من خريجي الدفعة الأولى، وضع الموسيقى التصويرية لعدد من  الأعمال المسرحية الخاصة بطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، وللكثير من الأعمال الدرامية، كما حصل على العديد من الجوائز.

الجزء الأول من اللقاء

 

الجزء الثاني من اللقاء
 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر