المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك حالة فوضى أم حاجة اجتماعية؟

المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك حالة فوضى أم حاجة اجتماعية؟

دمشق - جواد ديوب
تتكاثر المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي الافتراضية لدرجة أن الخرداوات والتوالف والأدوات المستعملة أصبح لها صفحاتها الخاصة، تتشعب كل يوم بشكل يشبه متاهة عملاقة يعلق فيها الناس وتصبح هويّاتُ البشر والمدن والأماكن ضائعة ومشوّهة وعائمة في غَبَشٍ لا نهائيّ.
المفارقة أو الشرُّ الذي لا بدّ منه هو أننا لا نجد خلاصاً من » ذاك البلاء الافتراضي « إلا بأن نتماهى معه ونصنع لأنفسنا أيضاً صفحات مشابهة تمكننا من القول: نعم لقد دخلنا العالم الافتراضي وها نحن أصبحنا خانةً من الواحدات والأصفار كأرقامٍ وكوداتٍ رقميّةٍ عجيبة.

لكن أيّ اختراع أو أيّة أداة تكتسب قيمتها من مستخدميها ومن الغاية التي تتوجه نحوها مثل السكّين؛ فهي بيد المجنون أو المجرم فتّاكة، وفي يد الفنّان أو الطبيب عافيةٌ ومتعة، لذلك ربما لا تخرج تلك الصفحات عن هذا السياق حين نجدُ بعض المقنّعين يستخدمونها للتخريب والتشويه وقنْص طرائدهم وهم يتلذذون بالاصطياد وفكرة أّنهم يَرَون ولا يُرَوْن! فيما نجد أيضاً صفحات ومواقعَ تمتلك بصمتها وقيمتها الجمالية والتاريخية إذ تهتم بتوثيق منمنمات الحياة وتفاصيل الناس في الأسواق والحارات، مثل هذا النصّ المُنغَّم النادر الذي يلتقط اللهجة الدمشقيّة المحكيّة ونداءات البائعين الجوّالين:

"سماع لغة البيّاعين/بالشّام وهنّي دايرين/لغة بدها ترجمان/ ونحنا عنّا مترجمين/لغة بدها ترجمان/خصوصي باسم البيتنجان/نادوا أسود يا ريّان/ وئعة سودا وئعانين/هاتوا طبل وزامورة لنسمِّع ياللي نايمين/ لنسمّع ياللي نايمين بعْل ومَلَكي آه يا تين/الصبايا داير مندار/ المشمش طيب قمرالدِّين/ قمرالدِّين العال العال/ والنابت عند الفوّال والضمّانة بيّاعين/ باعوه بِ أوّل نيروز/ولا حبّة منيحة يا جوز/يا خساره ما عنّا موز/ ولَوْ كان عنّا؛ غالي كتير!"

منمنماتٌ شعريّة تجعل من صفحات الإنترنت وثيقةً نادرة يمكن لملايين الناس على امتداد جغرافيا غربتهم أن يتابعوها والعيش مع أولئك الأشخاص فيما يسمّى حياةً موازيةً تُغنيهم عمّا يفتقدونه وتعطي لمن لا يعلم فكرةً محفّزة عن بلدٍ ما أو تجعل أهل البلد المعنيّ يقولون بنرجسيّةٍ محبّبة: ها هي بلدنا فادخلوها آمنين.

نُشير هنا مثلًا إلى خصوصية فريدة تتمتع بها، ماضياً وحاضراً، وأعني بالدمشقيّ كلَّ من دَخَلَ دمشق وعاش فيها وشرب من مائها فدمشق مدينة للجميع.

المصور بلال المصري

فيما يشاركنا المصوّر الفوتوغرافي بلال المصري  لوحاتِه الضوئية ضمن صفحات مشابهة مثل دمشق بالأبيض والأسود والتي تنشر بإخلاص ما يهمّ الناس من معلومات موثَّقة بعيداً عن عدد اللايكات أو الإطراء المجّاني، ويقول: "فكرتي عن التصوير هي التوثيق بالدرجة الأولى، وليس فقط التركيز على جماليات خارقة لمكانٍ محدد من العاصمة. فمن الممكن أن نلتقط الجمال في أبسط الأشياء مثل ظلّ مئذنة عتيقة أو انعكاس لأبنية تراثية على ماءِ نافورةٍ وسط الشام القديمة. لكنّ ما نمرّ به في حياتنا سيمرّ عليه الزمن أيضاً ويغيّره وربما لن يعود موجوداً بعد عقود لذلك أوثّق بعدستي ما قد يصبح فيما بعد متُحفاً افتراضيّاً موجوداً فقط على.

شكل صور ديجيتال رقميّة." خيط الضوءُ الذي تلتقطه عدسةُ بلال يمتدّ شعاعُه أبعدَ وأعمقَ إلى صفحة مبادرة الحفاظ على الهوية البصرية للمجتمع السوري savepics التي أطلقها مع بداية الحرب الصحفي والباحث المصري المقيم في دمشق محمود العدوي كنوعٍ من الوفاء للتراث السوري وترميم للذاكرة واستعادة لجمالٍ موجَع.

يقول لنا: "فكرتي هي الحفاظ على أرشيف صور الناس التي تعكس جوانب الحياة الاجتماعية للسوريين في الجامعات والأسواق والمشافي الشاميّة ورحلات السيرانات و الكشّاف الشهيرة. بل لأقول إن الصور والكاميرا بحد ذاتها كانت جزءاً مهماً من حياة الناس اليومية."
لذلك ومدفوعاً بهاجس إنعاش مشروعه/صفحته بأفكار جديدة قام العدوي بإطلاق مبادرة "التربية من خلال العدسة" كامتدادٍ واقعيّ للمشروع الأساس، إذ برأيه لا شيء يستطيع أن يمنعنا من أن نرى الحياة كما نريد. أن نرى ما نحبّ كيفما نحب من خلال عدسة كاميرتنا.



هذه هي أسس فكرة تربية طلاب المدارس من خلال الكاميرا ليروا بأعينهم لا بأعين الآخرين أن ترى بعينيك أنت، أن تكون أنت أنت وليس شخصاً آخر، ألا نضيعَ في فوضى افتراضية وبصرية أن نكتب في مكان، دون افتتاحيّة رئيس تحرير وبعيداً عن كتابات الفضائح المباشرة والصحافة الصفراء والأدب المنحول هي محرّضاتٌ شجّعت مدير ورئيس تحرير موقع وصفحة أضواء المدينة الشِّعري عمر

 عمر الشيخ

الشيخ لإنشاء هذه المنصّة الإلكترونية إذ يقول في بيانه التوضيحي" إنّ فوضى المنابر الإلكترونية والورقية الّتي تعيش استقطاباً سياسياً راهناً تُحتّم البحث عن متنفس، ولم نجد أفضل من الشّعر حلًا إنسانيّاً للتواصل مع الآخر، فالرعاية الثقافيّة اليوم تدخل في شروط وحسابات ترمي بالكثير من المواهب العربية إلى النهاية؛ إمّا تحت كنف التّدجين الرسمي في بلادهم أو إلى جانب مؤسسة ثقافيّة تُفاضِلُ على الأسماء والمحسوبيات لا على نوعيّة ما يُقدَّم من منجز فنّي شعري."

نسأله عن مدى فاعلية الصفحة الافتراضية في عالم واقعيّ  قاسٍ يقول: "كنا أصلًا مشروعاً ثقافياً يحمل الاسم نفسه وتجري تفاصيلُه واقعياً داخل دمشق القديمة بين عامي 2013 و 2015 ولعلّ إيقاع الضوء وصورة المدينة وما آلت إليه هو ما جعل صفحة الملتقى على الفيسبوك حاضرةً ومُشاهَدَة في محاولة لأن تكون مكاناً هادئاً لعشرات الأسماء الجديدة والأصوات الخجولة في الكتابة الشّعريّة والتي ما زالت تبحث عن مكان لها تحت الضوء الجميع يبحث عن معنى لوجوده إذاً، عن مساحةٍ من حريّة شخصية يقول من خلالها وجعه وتأملاته وأحلامه وما يمرّ به من يوميات وتفاصيل حياتية تهمّ الناس خاصة بعد مرارات الحرب الشرسة، الجميع بحاجة إلى نواف ذ مشرّعة على أمداءَ موازية بعيداً عن الثقافة المؤسساتية الرسمية.

 بهذه العقلية الجديدة يعمل موقع "شبّاك سوري" معتمداً على "مبادرة شبابية" مجتمعيّة أطلقت مشروعها في 22 كانون الأول 2018 بالتعاون مع فريق سند التنموي ومشاركة شبّان وشابات من مختلف المناطق السورية لتعزيز التماسك الاجتماعي وبناء سوريا.
ولذلك أتت فكرة الشبابيك لنطلّ منها في كل مرة على نساءٍ غيّرن وجه مدينتهنّ عبر الرسم على الجدران المتآكلة أو المسرح التفاعلي أو ترميم الأبنية الأثرية أو الرياضة ومسيرات الدراجات الهوائية كتحدٍّ لتقاليد تعيب على النساء ركوب الدراجات.
شبابيكٌ سوريّة مُصمَّمة بغرافيك احترافي وبتقنياتٍ سمعية بصرية مميزة وأساليب تجذب العين باختلافها الجميل وحكاياتٍ راهنة نسمعها ونشاهدها بلسان أصحابها من أهل هذه البيوت وهذه الشوارع وهذه المدن السورية.


اللافت في تلك الصفحات والمواقع التي مررنا عليها هو ما تلتقطه عبر فيديوهاتها وصورها المرسومة بعدسة رسّامين ومصوّرين كبار عايشوا وشهدوا الأيام الخوالي من تفاصيل وذكريات وشخصيات دمشقية فريدة أو عبر تلك المشاهدات الحديثة بعدسات شباب وصبايا انضمّوا لها وأغنوها بما لديهم من معاصرةٍ ومعايشةٍ يوميّة يمكن أن يُستفاد منها فيما بعد لتشكّل مهرجان الوثائقيات الدمشقية المعاصرة بما ينقلها من الحيّز الافتراضي على ما فيه من متعة إلى الحيّز الواقعي كنوع من ترسيخ لأهميتها ولهويّة المكان وتنبيه الناس إلى أنه يمكننا فعلًا القيام بمشاريع ملموسة واقعياً تُعنى بمنمنمات باقي المدن والمحافظات السوريّة بحيث، وبنوعٍ من مفارقة طريفة، يمكنها أن تتحول إلى صفحاتٍ فيسبوكيّة من جديد وتدخلَ عالمَ الأزرق اللانهائيّ حقيقةً ومجازاً معاً.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر