"الرشوة الجنسية" نساء يكسرن حاجز الخوف من الفضيحة

"الرشوة الجنسية" نساء يكسرن حاجز الخوف من الفضيحة

دمشق - بيداء قطليش
 قد لا يكون مستغرباً أو جديداً الحديث عن موضوع الاستغلال الجنسي للنساء في أماكن عملهن، وعلى الرغم من أن حالات التحرش لا يمكن وصفها إلا بأبشع الاوصاف سابقاً أو حالياً، غير أن ما يزيدها سوادا اليوم هو الواقع الحالي الذي تعيشه البلاد، بفعل تهجير عدد كبير من السكان داخلياً بفعل جرائم الإرهاب الذي دمر البنى التحتية وسبل العيش في العديد من المناطق التي استباحها لفترات متفاوتة.
الواقع الحالي أفرز آلاف الأسر التي تحتاج إلى أي سبيل للرزق يمكِّنها من الاستمرار في حياة لا يمكن وصفها بأقل من قاسية، وما كان يوصف بالأمس بأنه قبول مشترك، تحت اسم فلتترك العمل وتبحث عن عمل آخر بات اليوم صعباً إن لم يكن مستحيلا، وهو ما رفع من عدد الحالات التي أوصلت صرختها لمجلتنا، آملةً في إيصالها إلى المعنيين، لا سيما أن حالات الاستغلال الجنسي، أو الرشوة الجنسية في أحسن الأحوال قد وصلت القطاع العام أيضا.

ورصدت المشهد حالات لسيدات وقعن فريسة الحاجة، التي كانت منهن أم بلال وهي عاملة نظافة في أحد المكاتب العقارية في دمشق، والتي تعرضت للابتزاز الجنسي من رب عملها تحت التهديد بفصلها من العمل الذي تعيل من خلاله أسرتها بأجر شهري لا يصل إلى 50 ألف ليرة سورية.

أما أم بلال فلم يشفع لها تركها للعمل للتخلص من ابتزاز رب عملها الذي اتهمها بسرقة الكومبيوتر المحمول، وهددها بسجنها، غير أن إصرارها على أقوالها أمام الجهات الأمنية، كشف ملابسات الواقعة، والتي أجبرت صاحب العمل على الاعتراف، ما أسفر عن فض الموضوع لعدم وجود أدلة واقعية تدينه غير أنها كانت كفيلة بإنقاذها من تهمة السرقة. واعترفت السيدة أفراح (اسم مستعار) باستجابتها بداية لأوامر سيدها (كما وصفته) الذي كان يتحرش بها يوميا على حد قولها، وهي التي بلغت عامها الـ 43 إلى أن باتت تعاني اضطرابات نفسية حادة، ودخلت في موجة اكتئاب شديد، حيث أصبحت عاجزة عن النوم، إلى أن تركت عملها، على الرغم من حاجتها إلى الأجر الشهري الذي كانت تحصل عليه جراء كامل خدماتها والذي لا يزيد على 45 ألف ليرة سورية.

ومن جهتها، قالت السيدة رانيا (اسم مستعار) وهي امرأة متزوجة تعيل خمسة أطفال، وتعمل سكرتيرة في أحد المكاتب التجارية في دمشق، أن صاحب العمل كان يتحرش بها لفظيا، كما طلب منها صراحة أن تمارس الجنس معه مقابل تحسين وضعها المعيشي، وتهديدها بطردها، إلى أن ضاقت ذرعاً بتصرفاته وتقدمت بشكوى تنظر اليوم في القصر العدلي بدمشق.

سيف العلامة على رقاب الطالبات
وفي جامعة دمشق وبعد حدوث أكثر من حادثة تحرش كان بطلها أحد الكوادر التعليمية، وذلك في ظل عدم وجود ثبوتيات واضحة يمكن الاتكال عليها لمحاسبة المتحرشين، والذين يقومون بأفعالهم بعيداً عن أعين الجمهور وعلى الأقل في مكاتبهم غير أن تقصير الجامعة في وضع إطار لحماية الطالبات من خلال توزيع كاميرات المراقبة في الأماكن المناسبة وخصوصاً أماكن الخلوات، ومكاتب المسؤولين، واعتماد سياسة المكاتب الزجاجية، أو غيرها، لا ينفي أن مثل تلك الحوادث تتكرر على مدار عشرات الأعوام.

 فعلى لسان إحدى طالبات جامعة دمشق التي روت تفاصيل قصة تحرش أستاذها بها أثناء مناقشتها لبحثها الأكاديمي في مكتبه، حيث أقدم على إغلاق باب المكتب بذريعة أصوات الطلبة في الممر، ليتوجه بحديثه اليها قائلاً: ملامسة الصدر تعني النجاح، والقبلة هي النجاح بامتياز، والخروج معي خارج الكلية لمرة واحدة تؤدي للنجاح بامتياز في كافة المواد، والاستمرار بالخروج معي يمنح التفوق وتكوني معيدة القسم على دفعتك، ما رأيك بهذا العرض؟ والله لو صار لجدتي ما كانت ماتت على حد تعبيره، وقعت هذه الكلمات الصادرة من أستاذها الستيني من العمر كالصاعقة على مسامع الطالبة العشرينية، وأكدت بأنها ليست الوحيدة، وإنما هي متأكدة من محاولته مع معظم الطالبات، وعند سؤالها عما إذا قدمت لإدارة الكلية بشكوى بحقه، كان جوابها أنها فضلت سلاح الصمت، ليس خوفاً من الفضيحة وإنما الخوف من جرجرتها الى فروع الأمن. 

وعن هذه الظاهرة حاولت «المشهد» التواصل مع أحد الأساتذة في الكلية عما إذا كان هناك قوانين في سورية صريحة وصارمة تجرم التحرش الجنسي؟ أجاب بالتأكيد هناك قوانين عامة تدين التحرش الجنسي وتعاقب من يمارسه، ولكن من يقوم بالتحرش الجنسي في الجامعات هو أكبر من القوانين كافة.

وعن عدم تبليغ الطالبات اللواتي تعرضن للابتزاز الجنسي مصدر في إدارة الكلية تحدث قائلا: أعتقد أن الكثير من الطالبات يتحرجن من الإبلاغ عما يتعرضن له بسبب التمييز الذكوري، حيث لا يتم تصديق النساء، بل تصديق المتورط بالتحرش، مما يدفع الطالبات الى التزام الصمت.

إعلاميات يختبئن تحت ثوب الخجل
بعض الإعلاميات السوريات صاحبات القلم والفكر الجريء، يخبئن بداخلهن حكايات حزينة عن تعرضهن لأبشع استغلال وابتزاز من قبل المسؤولين في الصحيفة أو مصادرهن الإعلامية، ولكنهن لم يتجرأن على البوح بها، خوفاً من التشهير بهن أو فصلهن أو منعهن من العمل من قبل أسرهن، وفقا لتصريحات بعضهن. الصحفية السورية ريما (اسم مستعار) تبلغ من العمر 28 عاماً، وتعمل منذ خمسة أعوام في مؤسسة إعلامية، رفضت طلب مديرها المباشر بترتيب لقاء حميمي في شقته الخاصة في جرمانا، مقابل وعود بتثبيتها في الوظيفة.

تقول الصحفية لم أستوعب حتى الآن ما قاله لي: "أنت صحفية متحررة وما المانع من لقاء ودي في شقتي؟، وأضافت: "لو استجبت لطلبه الحقير وسلوكياته المنحرفة لتم تثبيتي وترقيتي كان ثمن رفضي نقلي إلى قسمٍ آخر أقل أهمية. 

مصادر في نقابة الصحفيين السوريين ذكرت ان النقابة لم تتسلم أي شكوى رسمية من قبل إعلاميات منتسبات اليها، باستثناء شكوى واحدة من إعلامية تعمل في إحدى الصحف، تشير إلى مضايقات من قبل مديرها المباشر الذي يدفعها الى العمل معه حتى ساعات متأخرة في الليل.

كما أفادت المصادر أن بعض أصحاب السلطة الإعلامية يطور أدواته في الوصول إلى غايته، فيخضع الفتاة إلى تجربة لقياس مدى تقبلها، فإن رفضت يتخفى وراء ستار أنه زميلها ويمازحها، وإن لم تعترض يعد ذلك ضوءاً أخضر للاستمرار في سلوكياته.

قصور رسمي عن رصد الحالات
نظرا لضعف الاهتمام الرسمي، وعدم قناعة المسؤولين بانتشار هذه الظاهرة في مجتمعاتنا ما تزال جهود الجهات الرسمية متواضعة ومع هذا بدأت تظهر مطالبات بتعديل التشريعات لتوضيح وتفسير مواد قانونية تضمن حقوق المرأة الضحية والحفاظ على كرامتها.
وفي المقابل، تجد بعض القاضيات ومسؤولات رفيعات المستوى في الحكومة، أن المرأة هي من تتحمل مسؤولية فعل الرشوة الجنسية بحجة أنها ظلت صامتة ولم تتقدم بشكوى رسمية الى الجهات المعنية من أجل متابعتها ومن ثم اتخاذ الإجراءات الرسمية بحق المسؤول الجاني إن ثبتت التهمة عليه.
وذهبت بعض المسؤولات الى أن المرأة هي من تقوم أحيانا بتحفيز الرجل على استغلالها جنسياً من أجل كسب خدمات تتمثل بترقيتها بالعمل أو زيادة راتبها الشهري والسنوي.
وتضيف بعضهن الآخر أن غياب الوعي المجتمعي بمفهوم التحرش ضد النساء والتمييز ضدهن، والضعف الواضح بالمنظومة القانونية، لا تتناسب مع العصرنة لدحر التحرش الجنسي، كما أن ضعف عمل وحدات الشكاوى وآلياته وغياب تأمين السرية والخصوصية لهن، وعدم الالتزام بمدونة السلوك والأخلاق في المؤسسات العامة والخاصة، كلها أسباب تؤدي الى استفحال ظاهرة فساد الرشوة الجنسية في مجتمعاتنا.
 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر