منظومة الفساد وغياب الشفافية تطردان الاستثمارات المحلية والأجنبية

منظومة الفساد وغياب الشفافية تطردان الاستثمارات المحلية والأجنبية

دمشق - خاص
غادر حسام (رجل أعمال سوري مغترب) البلاد دون أن يقيم مشروعه الاستثماري، وبين سبب مخاوف المستثمر من خوض مشاريع في البلد لعدة نقاط رئيسية أولها وأهمها في رأيه عدم توفر البنى التحتية التي هي من أساسيات العمل، فالكهرباء غير مستقرة، إضافة إلى نقص المازوت، وثانيها عدم استقرار سعر الصرف، إضافة إلى الصعوبة في الاجراءات الإدارية ونقص الكوادر وقلة خبرتها.

يضيف حسام: لا ننكر استقرار الوضع الأمني والذي يشجع على الاستثمار لكن دون حل المشكلات السابقة إضافة للتكليف الضريبي الغير مدروس، لا نستطيع أن نخاطر بوضع أموالنا فنحن نريد أن نستثمر وأن نحقق الربح في بيئة سليمة.
 على الرغم من الفرص الاستثمارية المتواجدة في سوريا ما زال حسام ونظراؤه يحجمون عن ضخ أموالهم في استثمارات محلية وما زالت الدول المجاورة تستقطب رجال الأعمال السوريين وتؤمن لهم البيئة المناسبة، فما الذي يمنعهم من العودة إلى بلادهم؟
 احتقان سياسي واقتصاد بلا هوية،  وفي دراسة د. مدين علي حول (مناخ الاستثمار وإعادة الإعمار في سوريا بين مقومات الجذب وعوامل الطرد) يمكن أن نستشف مواطن الخلل، ويقول علي في دراسته «إن استمرار حالة الغموض والتردد، حول ما يتعلق بالهوية الاقتصادية، ودور كلٌّ من القطاعين العام والخاص، والأهم من ذلك، الموقف من ظاهرة الفساد، وعدم المبادرة بقوة وجدية، للإطاحة برموزه، وتفكيك بنيته، ومحاسبة الفاسدين على مرأى ومسمع من الجميع ، وتجريدهم من شرف المشاركة في عملية الإعمار والبناء، هذا الأمر سيبقى نقطة ضعف خطيرة، تكتنف بنية السياسة العامة للدولة، وسيوفر الفرصة التاريخية للفاسدين في الداخل والخارج، للالتفاف على مشروع بناء الدولة والمجتمع في سورية، وتفريغه من مضمونه.»

ويبين على بأن معالجة الاحتقان السياسي من خلال رؤية سياسية عقلانية، وبناء فضاء سياسي طبيعيي، عبر مشروع صياغة هوية وطنية جامعة، يكرس ثقافة الانتماء الجمعي تحقق مبدأ تكافؤ الفرص سياساً واقتصادياً وثقافياً، يعدُّ مدخلاً استراتيجياً لصياغة، أو لبلورة إطار اقتصادي عقلاني، تلقائي وطبيعي، يتضمن في جنباته بيئة اقتصادية واستثمارية آمنة ومستقرة، ويساعد في خلق مناخ استثماري محفّز، جاذب للاستثمارات، ومستقطب لرؤوس الأموال، وينوه إلى أن عملية استقطاب الاستثمارات الحقيقية، لا يمكن أن تتم عن طريق المؤتمرات، ولا يمكن أن تأتي على وقع الضجيج الإعلامي التعموي المرافق لها، كما لا يمكن أن تأتي في ظل دور مؤثرو فاعل للفاسدين والمزايدين.

 مخاوف لدى المستثمرين
يتحدث الخبير الاقتصادي د. شادي أحمد للمشهد عن فرصة لا تعوض في سوريا، حيث تعيش المنطقة العربية حالة من التخبط الاقتصادي فهناك اختناقات اقتصادية في دول الخليج بشكل عام نتيجة السياسات الخاطئة التي تمارسها السعودية ما أدى إلى انسداد الأفق الاستثماري هناك. ويعتبر أحمد  أن الأسواق المجاورة غير جاذبة للاستثمارات، حيث يعاني الاقتصاد التركي من مستقبل مجهول مع انخفاض شديد لليرة التركية والإشكاليات السياسية العميقة، و كذلك فإن الاقتصاد اللبناني غير مؤهل لاستثمارات اقتصادية فعالة نتيجة اعتماده على الاقتصاد الريعي أما مصر فتعاني من اختلالات هيكلية تتمثل في مديونية هائلة غير قادرة على الوفاء بمتطلبات الاستثمارات الجديدة، في حين يبدو الوضع العراقي و نتيجة التشرذم الداخلي و المحاصصة الطائفية غير مناسب كبيئة استثمارية.
لذلك تتطلع آمال المستثمرين العرب وغير العرب وكذلك السوريون في الاغتراب إلى السوق الاستثمارية السورية الواعدة، لما تتطلبه من مشاريع كبيرة لإعادة الأعمار، ويلخص د. شادي أحمد تخوف المستثمرين من إقامة مشاريع في سوريا بعدة نقاط: عدم اكتمال شروط البيئة القانونية التي تحمي المستثمرين ومشاريعهم في سورية في ظل غياب نظام حماية للاستثمارات، و ضعف أدوات النظام البنكي التمويلي في سورية وعدم مجاراتها للتطور العالمي في مجال الخدمات البنكية، وكذلك تخوف بعض المستثمرين فيما يقال عن نوع من الفساد يلزم المستثمر بنوع من (المشاركة بالنفوذ) مع شخصيات موجودة في البلد، وإلى جانب تخوف السوريين في الخارج من إجراءات أمنية على الحدود قد تعرضهم للمسائلة دون أن يعرفوا مسبقاً أسباب ذلك، عدا عن عدم وجود قواعد و قرارات واضحة تسمح بتحويل الأموال (دخولا و خروجاً) وغياب استراتيجية حكومية واضحة لاستقطاب رأس المال الخارجي الاستثماري وتوفير مستلزماته الإدارية واللوجستية. فساد بمنظومة متكاملة يرى د. أيهم أسد(اقتصادي) أن الفساد في الاقتصاد السوري أصبح منظومة متكاملة ومتشعبة وبات يتسم بالعمق والتغلغل في الكثير من مفاصل الاقتصاد.

ويركز أسد على أهمية مناخ الاستثمار الرمزي والذي يعبر عنه بمنظومة العلاقات بين المستثمر والحكومة وبقية المستثمرين أكثر بكثير من مناخ الاستثمار المادي الذي يعبر عنه بالإعفاءات الضريبية والحوافز المالية المقدمة للمستثمر، وبالتالي فإن إعادة الثقة بمناخ الاستثمار الرمزي من خلال ضرب وتفكيك شبكات الفساد المحلية هو شرط أساسي لاستقطاب المستثمرين الخارجيين، ومثل هذا القرار إنما يتطلب جرأة سياسية وقراراً حاسماً وشفافية وعلنية.

أما العامل الثاني والهام جداً في مسألة استقطاب المستثمرين الخارجيين من وجهة نظر أسد، فهو وجود تشريع استثماري عصري وشفاف ويحدد بدقة احتياجات الاقتصاد الاستثمارية ويحفظ بالوقت ذاته حق الدولة وحق المواطن السوري، ويدعو د. أيهم أسد من خلال «المشهد» إلى إصدار تشريع يحقق توازن بين حقوق المستثمر والدولة والمواطن فلا تطغى أحدها على الأخرى، مستدركاً أن مثل هذا التشريع حتى الآن غير موجود في الاقتصاد السوري على الرغم من وجود المرسوم 8 الناظم للاستثمار وحالياً يجري العمل على تعديل قانون الاستثمار الموجود إلا أن التخبط وتنازع السلطات الإدارية فيما بينها على بنوده واختلاف وجهات النظر حوله ما زال يحول دون إصداره إصلاح البيئة الاستثمارية يعني في خلاصة القول تفكيك الفساد زائداً وضوح التشريع وشفافيته، الفساد لا يشجع على الاستثمارات ، ويروي د. بركات شاهين (معاون وزير الصناعة السابق) أن إعادة الاعمار يندرج تحته الكثير من البنود والقطاعات التي دمرت خلال الحرب، مثل البناء والنفط والحديد والصناعة وغيرها الكثير، فكلها لها أهمية جوهرية ولعل الأولوية الكبرى للبناء، ولكن بدون صناعة لا يمكن أن يتم البناء، ويردف للمشهد بالقول «من وجهة نظري أرى أن التمويل هو الأساس لإعادة البناء وتأمين الكوادر، لنعطي مثلاً فبعد حرب تشرين تم تحديث البناء واستقطاب عمالة سورية مستوردة من البلدان العربية لعدم وجود كوادر كافية، وكان يوجد استثمارات بأكثر من 100 مليار دولار لكل القطاعات وكان نصيب قطاع الصناعة حوالي 144 مشروع صناعي» ولا يخفي شاهين أن سورية حالياً تفتقد إلى رأس المال والكوادر، والأهم أنها تفتقد الكوادر الإدارية المخططة والمنظمة « فالوزراء الحاليون والمدراء العامون غير مؤهلين لخوض عملية إعادة الاعمار وأكبر دليل هو تدني الليرة السورية».

أي أن الإدارة الفاشلة والفساد المتفشي لا تشجع المستثمر السوري ولا الأجنبي على الدخول في مشاريع إعادة الاعمار، ومن أهم مخاوف المستمر هو عدم ثبات الليرة السورية، فهل من المنطق أن يقوم المركزي ببيع قطعه النقدي وهذا يعود لما تحدثنا عنه سابقاً عن الأداء الغير مؤهل لإدارة الأزمات.
ويوضح شاهين أن من الأسباب الجوهرية أيضاً لخوف المستثمرين هو المناخ التشريعي والسياسي، فيجب توفير مناخ سياسي جيد من خلال المصالحات الوطنية وتوحيد السورين وانخراط المجتمع بكل أطيافه من جديد، والمناخ التشريعي من خلال إعادة النظر بالتشريعات والمراسيم المنظمة للاستثمار بما يلائم الظروف الحالية، لأن إعادة الاعمار بحاجة إلى كادر خارجي وإيرادات خارجية، فسورية حالياً رقم واحد في توجهات المستثمرين، وينهي د. بركات شاهين «باختصار الفساد والإدارة الغير المؤهلة لإدارة الأزمات وعدم وجود الكوادر أهم أسباب تخوف المستثمرين.»

يؤكد الخبير الاقتصادي د. بشار الأشقر للمشهد أن البيئة الاستثمارية بالعموم تعتمد على مكونات متغيرة ومتداخلة إلى حد كبير تمثل بمجمل الأوضاع القانونية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الموجودة.

وينوه أن المستثمر يبني قراره الاستثماري بالاعتماد على العناصر الجاذبة ومن أهمها: الاستقرار السياسي والاقتصادي وثبات سعر صرف العملة الوطنية، ووضوح القوانين وسهولة الإجراءات، بالإضافة إلى التسهيلات والامتيازات والإعفاءات من الضرائب والرسوم، فضلاً عن حرية تحويل الأرباح، وتحقيق عائد مجزي من الاستثمار، ولنجاح استقطاب الاستثمارات الخارجية يتصور الأشقر بأننا بحاجة لتوفير هذه العناصر بالشكل الصحيح من خلال الوقوف على الواقع الراهن وتحديد المشاكل الموجودة ووضع تصور للمخرجات المتوقعة للتعديل مع أخذ الاعتبار بأن أموال الاستثمار ليست من طبيعة واحدة، وغير محكومة بالأهداف ذاتها فمنها المحكوم بالحسابات الاقتصادية البحتة، ومنها القناص والطيار، المحكوم بحسابات اغتنام الفرص، وغالباً ما تكثر في زمن الحروب والأزمات بحيث يكون هدفه تبييض الأموال.

ويوضح الأشقر بالمجمل فيما يخص التشريعات والقوانين بمقدار ما يجب أن تتسم بالوضوح والشفافية وعدم التناقض إلا أنها يجب ألا تغفل عن جذب الاستثمارات الحقيقية والابتعاد عن الربح السريع والمؤشرات الوهمية.

لذا فإن عدم الاعتراف بالمرض لن يؤدي إلى تشخيص صحيح له، وبالتالي معالجته كما يجب، فلا المؤتمرات التي تقيمها هيئة الاستثمار والجهات الحكومية الأخرى -رغم إنفاق مئات الملايين عليها- ستجدي نفعاً ما زال الفساد حاكماً ، والقضاء ليس نزيهاً، والاقتصاد السوري بلا هوية.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني