هل يستطيع العقل الفردي في الإدارة تقبل الحداثة؟

هل يستطيع العقل الفردي في الإدارة تقبل الحداثة؟

المشهد - خاص

تضخْم البريد الورقي لأي وزير أو مدير عام،لا يترك لأي منهم وقتاً كافياً كي يتناول بعض الطعام، ذلك ماقاله أحد الوزراء ، عندما أشار بأنهم يشعرون بالجوع في معظم الأحيان.
قد تكون هذه الشكوى صحيحة، فبدخولك إلى مكتب أي وزير أو مدير عام؛ تجد على طاولة مكتبه والطاولات المجاورة عشرات الملفات المحشوة بالأوراق لدرجة الإشباع.
وتجد صاحب المكتب يشكو من ثقل المهمة وتضخم بريده وصعوبة عمله وكيف أن عمل المؤسسة التي يديرها معطل بانتظار توقيعه، وأن أوقات الدوام لاتكفي بل يأخذ بريده إلى منزله ويوصل الليل بالنهار لانجاز أعمال وظيفته الثقيلة التي لاتنتهي.
طبعاً لهذه الظاهرة الغير صحية أسبابها وتداعياتها بمعنى سلبياتها العديدة ، ومنها:
١- سوء الإدارة وفي مقدمتها المركزية الشديدة في اتخاذ القرار .
٢- العرف الذي أصبح نظاماً ، ويتلخص بأن  تُربط جميع الكتب الصادرة والواردة من وإلى المؤسسة برأس المؤسسة، حيث يقوم بدوره بتوزيع الوارد على الأقسام ذات الصلة، و تصدر بتوقيعه جميع كتب الأقسام والمديريات في المؤسسة وكأنه يعمل رئيساً لكل قسم على حده بدءاً من المرآب وصولاً إلى التخطيط.
٣-مصادرة صلاحيات المستويات الأدنى ، والطلب إليهم باللجوء إلى رأس الإدارة للحصول على التوجيه اللازم في أصغر تفصيلات عملهم اليومي.
٤- خوف الوزير أو المدير من نجاح أحد معاونيه أو مدرائه، فربما يكون نجاح أحدهم مقدمة لأن يحل مكانه.
٥-مناخ القلق والخوف من المسؤولية المنتشرة في جميع المؤسسات، مما يجعل الموظف يلجأ إلى المخاطبة الورقية بحثاً عن الأمان والحماية الشخصية.
٦-ظاهرة تشكيل اللجان في القضايا الصغيرة والكبيرة و مايصدر عنها من محاضر جلسات يشكل كل منها مجلداً ورقياً لا معنى له في معظم الحالات ورفعها إلى رأس المؤسسة لمصادقتها وتوزيعها.
٧-المراسلات البينية حول استفسارات يومية بين الأقسام المختلفة ، والتي تحتاج في معظم الأحيان لتوقيع شاغل الموقع الأول في المؤسسة كي تصل إلى الجهة المقصودة .
٨-عدم القدرة أو الرغبة في التحول إلى بيئة حديثة في الوظيفة أساسها الأتمتة.
٩- استمرار الجهات الوصائية في التدخل في تفصيلات العمل اليومي واستمرار تقويم طريقة عمل الموظف دون الإهتمام بنجاحه أو فشله، بل بقدرته على إثبات صوابية عمله بالمستندات الورقية.
هذه الأسباب أدت إلى نتائج كارثية على معالجة القضايا الملحة للمواطنين و افتعلت حصاراً داخلياً قد يرقى لمستوى الحصار الخارجي، ومن أهم هذه النتائج والتداعيات :
١-المركزية الشديدة التي تؤدي إلى غياب أو تأخر اتخاذ القرار إلى وقت يفقد معه القرار الجدوى من صدوره.
٢-تدخل رأس المؤسسة في الشاردة والواردة وهذا يعطل العقول ويكبح الإبداع ويحول عمل المعاون أوالمدير الأدنى إلى عمل ساعي بريد أو سكرتير بلا قرار في أحسن الأحوال .
٣- الخوف والإبداع نقيضان، وهذا مايفرز النمطية في العمل والتقيد الحرفي بالقوانين وكأنها نصاً مقدساً دون السعي لتطويرها، مما يجعل هذه القوانين تتخلف عن إيقاع الحياة وتجيير المسؤولية هو السيد في الإدارة تحت عنوان" يصطفلو" أو" ماإلي علاقه".
٤-حدوث شرخ كبير بين الصلاحية والمسؤولية وهذه ظاهرة منتشرة، فعندما تصادر صلاحية  الإدارات الأدنى لا يبقى ماتسأل عنه هذه الإدارات، وعندما نحصن المستويات الأعلى من المساءلة تستباح جميع الارتكابات.
٥-فقدان الإيقاع والسرعة اللازمتين للتعامل مع الأزمة الحالية وتداعياتها.
٦- تحول أصحاب القرار في المؤسسات من إعمال الفكر  في التطوير إلى التقليد والغوص بين تلال المستندات الورقية خوفاً من الخطأ وبحثاً عن الأمان الشخصي.
في طقسٍ كهذا نجد أن معالجات مشاكل الناس تتخلف دائماً عن التطور اليومي للحياة، وخاصةً في زمن الحصار الخارجي والتنبؤ بالمستقبل أو التخطيط للغد تراه غائباً تماماً، فالوزير أو المدير مشغولون بالأعمال الورقية وبتفصيلات الحياة اليومية وبمشاكل الحياة الشخصية وكلٌ مشغولٌ بغده الشخصي عندما تنتهي مهمته الحالية، و رغم المتابعة والدفع الدائم من قبل قيادة البلاد باتجاه التطوير والأتمتة نجد أن إستجابة الإدارة الحكومية دون المستوى المطلوب، فليس لدى المؤسسات مساحة من الزمن أو رغبة في التطوير و تقبل الإبداع ولا مصلحة لهم في الحداثة أو التحديث في بيئة من الأنظمة والقوانين تكبح أي محاولة في هذا الإتجاه.

ختم الدكتور أسامة مقاله بالقول بأن التصدي لهذه المرحلة الصعبة من الأزمة يحتاج  إلى:
١-بث الثقة والشعور بالأمان لدى العاملين في جهاز الدولة من خلال بيئة من القوانين والأنظمة الحديثة التي تعتمد أسلوب الترغيب الفعلي برفع الأجور  في سبيل تحصين الموظف من الوقوع في فساد الحاجة.
٢-التخلي عن التحفيز الإنشائي والعاطفي الذي أثبت فشله ومنح المكافآت المادية مقابل الإبداع .
٣- منح الصلاحيات اللازمة للإدارات في مختلف المستويات كي تمتلك القرار في مجال اختصاصها وتجريد رؤوساء المؤسسات من صلاحية مصادرتها.
٣-منح المؤسسات الإقتصادية والخدمية إستقلالية فعلية تسمح بالمرونة وبالسرعة باتخاذ القرار دون الحاجة لانتظار موافقة الجهات الوصائية.
٤- تقويم نجاح المؤسسة من خلال نتائج أعمالها والأهداف المحققة مما يشجع على المبادرة و التطوير و التعامل مع تحديات الحصار بالسرعة المطلوبة.
٥- وأخيراً ربط المحاسبة بالقضاء وفقاً للدستور و تطبيقاً لمبدأ " كل مواطن برئ حتى تثبت إدانته " ، وإلغاء الإجراءات الإستثنائية من مصادرة احتياطية للأموال والأملاك دون حكم قضائي وهذا يولد الطمأنينة و يحفز على تحمل المسؤولية.
وبعد ذلك كله يمكن للأتمتة أن تتوج إجراءات التحديث وتنتقل بخدمة المواطن إلى المستوى الذي بلغته دول العالم المتمدن.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني