العلمانية هل فعلا هي الحل ؟

العلمانية هل فعلا هي الحل ؟

د. لمياء عاصي
العلمانية  مصطلح تكرر في الآونة الأخيرة ...  واستخدم بكثرة بعد الحرب في سورية  , لا بد  في البداية  من الاتفاق على مفهوم العلمانية ,  إذ أنه خلافي  جدا  واستخدم  بدلالات مختلفة  , حيث فهم البعض  العلمانية  بأنها ضد الدين والتدين  بل قد توصف بأنها  دعوة للإلحاد  ... ولعل الكاتب الإنجليزي جورج هولويك , قدم  شرحا للعلمانية في سنة 1951 , حيث قال :  "إنها فصل الدين عن الدولة , وليس فصل الدين عن الحياة " , ويعني ذلك أن تكون قوانين الدولة  مستمدة من مصالح الناس أولا , أما التعاليم الدينية فاللفرد كامل الحرية  بتطبيقها على نفسه كما يعتقد , على أن لا تفرض على المجتمع بكامله  , أما في العالم العربي ,  فإن  عالم الاجتماع المصري عبدالوهاب المسيري , صاحب  كتاب " العلمانية " , قال : " بأن العلمانية ليست فصل الدين عن الدولة  بطريقة اعتباطية و قمعية ، بل لا بد من توافر آليات  تحفظ  للجميع  خصوصيته  "  , ويقسم المسيري العلمانية إلى  "الشاملة والجزئية"،  وهو يقصد بالجزئية فصل السلطات  الدينية  عن  سلطات الدولة  ولا سيما في إصدار القوانين التي تنظم حياة الناس  وهي ما يسميها العلمانية الأخلاقية أو الإنسانية ,  أما العلمانية الشاملة , فهي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة ونزع القداسة تماما عن العالم بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية ، وهذا ما اعتبره  المسيري شديد الخطورة على التجمعات الإنسانية ولا سيما المحافظة  . 
إن العلمانية كما ينادي بها الكثيرون , هي إعمال العقل ووضع  نصوص قانونية تعكس الواقع المعاصر الذي نعيشه الآن  , لا أن تسود النصوص القديمة المنقولة  كبديل عن القوانين االتي تساير منظومة القوانين العالمية , تلك النصوص إضافة إلى أنها لا تعبر عن تعقد العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الناس فقد حظيت بالإهتمام  الفائق  والإنغلاق  في أن واحد .
بينت الدراسات الميدانية ,  أنه لا توجد مجتمعات خالية من النزوع  للبعد الروحي والاهتمام بالمقدس . لذلك فالحاجة إلى التدين هي ظاهرة أنتروبولوجية , حتى المجتمعات المعلمنة رسميًا  (الدول الغربية مثالا ) يحضر فيها الدين بصور متعددة ، الدين في بعده الروحي  يحتاجه  الإنسان في  الحصول على السكينة التي تمنحه الطمأنينة  وتهدئ  القلق الوجودي  لديه , القلق والخوف من  فكرة الموت ومحدودية الحياة  مشاعر لازمت الإنسان في كل المراحل التاريخية , فما دام هناك موت هناك قلق وبالتالي تبرز الحاجة إلى الدين، ويقول المفكر المغربي محمد أركون،  "الدين يهدئ من روع الإنسان أو من قلقه الميتافيزيقي ويشعره بالطمـأنينة " . وانسجامًا مع الروح العلمانية  ينبغي إعطاء الحرية للإنسان ليعبر عن ذلك القلق  سواء بالنزوع الديني أو بغيره ، دون إكراه ودون المساس بحقوق الآخرين في التدين. 
العلمانية في سورية ,  ليست مكافئ  للإنفلات الأخلاقي  أو الإباحية  تحت مسمى الحرية  الشخصية ,  فمثلا , تعتبر الحفلات الماجنة أو التصرفات والألفاظ الخادشة  التي تؤذي مشاعر عموم الناس إساءة لقيم المجتمع  , أما الشعار الذي رفعه بعض العلمانيين بأن " العلمانية هي الحل " , يعتبر بمثابة  الحكم على الأمور وفق فهم أولي , ويفتقد لأولى أساسيات العقل المنفتح الذي يخضع الأمور كلها للنقاش والحوار المجتمعي الحر , بل أنه الوجه  الآخر لشعار آخر  اعتمده بعض الإسلاميين  بأن      " الإسلام هو الحل "  كلا الشعارين لا يؤديان إلا إلى مزيد من الاستقطاب الديني والمذهبي .
في الأونة الأخيرة  ... ساهمت الحرب  بما رفع  فيها من شعارات مذهبية وطائفية , بتغذية الاستقطاب الديني والمذهبي والطائفي  في سورية  بالمقابل , نادى البعض ممن خشي من هذا الاستقطاب  بالعلمانية  , وقالوا  مثلا  : يجب أن تكون المناهج خالية تماما من المواد المتعلقة  بالدين , لأنها وتؤسس للتفرقة بين الطلاب على الأساس الديني والاستعاضة عن المواد الدينية بمادة الأخلاق  وبما  يعزز المواطنة  ,  ولعل قانون وزارة الأوقاف هو أول المواجهات  بين التيارين (العلماني , الديني ) , ذلك  القانون الذي رأى فيه الكثيرون , أنه يمنح دورا كبيرا لوزارة الأوقاف ويسمح لها بالتدخل  في  حياة السوريين الثقافية والاجتماعية , وحسما لأي التباس في مفهوم  كلمة العلمانية المنشودة ، يجدر بنا التركيز على  النقاط التالية : 
1.العلمانية تعني احترام جميع الأديان والعقائد والشعائر ... و استخدام العقل بدلا من التمترس خلف النقل الذي لا يتيح التطور الطبيعي للقوانين التي تعكس تطور علاقات الناس , كسمة أساسية من سنن الحياة .
2. العلمانية تعني أن ننتمي إلى جوهر الإيمان المطلق في ديننا الحنيف , فالمطلق هو الإيمان بالله , أما جوهر الدين فهو المنظومة الأخلاقية والقيمية التي يقوم عليها الدين . 
3.العلمانية تعني أن القانون فوق الجميع  وله السيادة المطلقة, ويقف على مسافة واحدة من الناس بغض النظرعن انتماءاتهم الدينية أو الاجتماعية أو مناطقهم الجغرافية .
4.إن العلمانية هي التركيز على المواطنة , و الإنتماء للوطن هو الهوية الجامعة لكل الناس, أما  التدين فهو قضية فردية تخص كل إنسان لوحده .
5.العلمانية تعني أن الأفراد في المجتمع لهم نقس الحقوق وعليهم نفس الواجبات  , بغض النظر عن أي اعتبار  كما جاء في المادة 33  من الدستور السوري : " المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات , لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة" .
أخيرا, فإن ما نحتاجه اليوم  , هو الإعتماد على العقل  بوصفه أساس المعرفة ومعيار الحقيقة , بمعنى العقلانية العلمية التي قوامها الانفتاح والتغير وقبول مناقشة الأفكار التي لا نؤمن بها أو لا نعتنقها واحترامها , وعدم  الثبات والانغلاق على أية أفكار سياسية أو اجتماعية أو ثقافية  ومنحها صفة القداسة  , إن قيم الانفتاح والعلم والعمل  كفيلة أن تطور  مجتمعنا وتمكنه من المساهمة  في بناء الحضارة الإنسانية .
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني