من مذكرات مدرِّسة (7) ... "في مدرستك كتب لا أخلاقيّة!"

من مذكرات مدرِّسة (7) ... "في مدرستك كتب لا أخلاقيّة!"

ماري عربش

في مدرستك كتب لا أخلاقيّة  
قنبلة صغيرة أُلقيت أمامي على الطاولة 
وانتابني ذهول ولفني صمت ورحت الملم مفردات تلك القنبلة محاولة إعادة تركيبها بطريقة أستطيع معها فهم كنهها وبعد مدى مفعولها
تلك العبارة التي تكشفت لي أهدافها فيما بعد ، قذفها من ترأّس الوفد الرسميّ الذي فاجأني بزيارته ذات صباح عندما كنت غارقة في تنسيق لقاء مع طالبات الثالث الثانوي وقد أشرف العام الدراسيّ على الانتهاء لأخفّف من وتيرة شعورهنّ بالقلق والخوف من الامتحان
.. كان عددهم أربعة لم أكن أعرف إِلَّا واحداً منهم ذاك الذي تقدّمهم بالدخول
كانت رؤوسهم مرفوعة فوق رقاب غليظة انغرزت في صدور  منفوخة فوق ( كروش ) عامرة
حشروا تلك الأثقال في كراسي نظامية أطلقت بعض التأوهات والأنين
وسرعان ما راح كبيرهم بالتعريف مستخدماً يداً غليظةً للإشارة
المسؤول عن .....في مديريّة التربية فلان 
المسؤول عن ......في مديرية التربية فلان
المسؤول عن .....في شعبة الحزب  فلان
لم أذكر فيما أكتب الآن مواقع المسؤوليات
لأنني وبكل بساطة ربّما لم أسمعها أو نسيتها إذ لم تكن تعني لي شيئاً على الإطلاق
أولم تُفصّل المسؤوليات على قياس أصحابها ؟؟؟؟
أهلاً بكم
بلغنا أنّ كتباً لا أخلاقيّة موجودة في مكتبة المدرسة وتتداولها الطالبات منذ فترة طويلة وكونك المديرة فأنت المسؤولة عن وجودها
هكذا افتُتحت الجلسة
الكبير هو الذي ينطق الكلمات بتأنٍ مدعومٍ بالثقة المطلقة أمّا الثلاثة الباقون فما كان منهم سوى هزّ الرؤوس للموافقة
وسريعاً استجمعت شظايا الاتّهام الفاضح ووضعته هناك في زاوية الطاولة ، وبصوتي الذي لم يكن يمتلك ميزة الارتفاع ، وبهدوئي الذي عهدته يتكاثر ويتضاعف في نفسي كلّما اشتدّت وتيرة عنف المواقف وعلا منسوب حدّتها ، قلت : أنا كابنة لهذه البلدة لا يشرّفني أن تحمل المكتبة هذه الصفة وأرفض بكل قوّتي أن تكون الثانوية الوحيد للبنات ذات توجيه لا أخلاقيّ ؛ فكيف إذا ما كنت أنا المديرة وأنا المسؤولة ؟؟؟؟
أستغرب من صمتكم طوال هذه الفترة وحضراتكم في مواقع تؤهلكم للتغيير والتبديل
لماذا تحتفظون بي كمديرة ؟؟. 
اللحظات لا بل الدقائق تمشي ببطء مثقلة بخطواتها فوق جمر الانتظار
لكن .... لا صوت  سُمع
والآن ماذا أنتم فاعلون ؟؟
تفضّلي معنا إلى المكتبة لنرى هذه الكتب
أنا أعرف تماما ماذا يوجد في المكتبة تفضّلوا أنتم وتفحّصوها
كيف يتسمّر الإنسان في موقع ما ؟؟؟ 
كيف غرقت تلك الكتل في المقاعد؟؟؟
( الكروش) همدت مبتلعة أحجامها
الصدور  نفّست هواءها
أمّا الرؤوس فقد مالت قليلاً وغادرت نظرات عيونها المكان ورحلت عبر النافذة الكبيرة ورائي إلى الأفق المستند إلى قمّة جبل مرمرون
وبعد ؟؟؟ 
وبإشارة من المسؤول الكبير وقف أحدهم متطوّعاً لإحضار أداة الجريمة متيّقظاً لاصطحاب أمينة المكتبة
دقائق معدودة ودخل  دخول الفاتحين المنتصرين
وبين يديه غنائم النصر بضع مجلّات غريبة وكتابين ألقى بهما أمامي
إنهما كتابان للدكتورة نوال السعداوي 
أهذه هي الكتب اللاأخلاقيّة ؟؟؟
نعم
لكنّها ممهورة بختم وزارة الثقافة والإرشاد القومي
تبادل أعضاء الوفد النظرات المغتاظة ولم ينبسوا ببنت شفة...
وكنت قبل أسبوع واحد من تلك الزيارة ( الميمونة) قد قصدت وزارة الثقافة برفقة أمينة المكتبة  حيث كان المفكّر الكبير الأستاذ أنطون مقدسي مديراً للترجمة والتأليف واستأنست برأيه حول الكتب التي اقتنيناها من مكتبة الوزارة 
وكان هذان الكتابان العلميان ( حصرا) ضمن مجموعة الكتب
وأنوّه هنا أنّ لي ملاحظات خاصة بشأن بعض مؤلّفات هذه الدكتورة ليس موضع ذكرها الآن
وباندفاع من فقد الصبر  ألقى ذلك المتطوع بمجموعة المجلّات التي كان ما يزال محتفظاً بها ، أمامي
يا للدهشة التي تملّكتني شعرت بانقباض رهيب في معدتي وأحسست بأني سأتقيّأ ... عندما وقع بصري على هاتيك الصور الخلاعية
تماسكت وقلت
أهذه المجلات في مكتبة المدرسة؟؟؟
نعم  نعم ولقد قلت بأنك تعرفين ماذا يوجد فيها
من عالم قذرٍ  ومن فساد ناخر ومن سلوك صبيانيّ طائش ومن تخلّف فكر  تبدّلي واضحاً جليّاً ..... وقفت جانباً وقلت شكراً ..... مع السلامة
لا أدري كيف وجدت نفسي هناك أتجوّل في أسواق دمشق... وفِي حيّ الصالحيّة تحديداً أقف عند الواجهات الزجاجيّة العريضة أتأمل مقاسات البدلات الرجّلية وقد بدت أنيقة على أجساد من الشمع
لا يظنّنّ أحد أنّ القصة انتهت هنا !!!!!
ذكرت في لبداية معرفتي لكبير الوفد والذي تربطه رابطة عائلية  بإحدى طالبات الثانوية وكانت في الصفّ الثاني الثانوي وكنت إلى جانب مهمتي الإدارية ، أدرّس هذا الصف تحديداً
ففي اليوم التالي لتلك الزيارة دخلت الصفّ وأعطيت درسي كاملاً وبعد الانتهاء 
سآخذ قليلاً من وقت الفرصة لأتحدّث إليكن بموضوع خاص 
كلكنّ تعرفن مدى اهتمامي بكنّ وبمسيرتكنّ التربويّة والعلميّة ..... واستفضت بالحديث لأنهيه بقولي 
أنا لا أشعر تجاهكنّ إِلَّا شعور الأم نحو بناتها
وستكون المفاجأة لكم يا من تقرؤون كلماتي
وليس لي لأني كنت قد خبرت كلّ أشكال الدسائس القذرة والسلوكيات المنحطّة
فما إن أغلقت باب غرفة الإدارة حتى قرع قرعاً خفيفاً لتدخل منه هاتيك الطالبة الصبيّة الحلوة البريئة
استأذنت بالاقتراب مني
وراحت تبكي بصمت وترتعش موارية وجهها بكلتا يديها
ما بك يا صغيرتي م .....
لماذا تبكين
وبصوت متهدّج يكاد لا يُسمع 
آنسة أنا أحبك مثل أمي وسأبوح لك بسرّ  ليرتاح ضميري وافعلي ما شئت بي يا آنسة
لن أفعل سوى أني سأستمرّ أحبك وأريد لك كلّ التوفيق
أخبريني ما هذا السرّ؟؟؟
يا آنسة لقد حمل إليَّ ...... وذكرت درجة القرابة ) من ذلك الكبير 
حمل إليَّ بعض المجلّات وطلب مني أن أدسّها في المكتبة
لا بل طلب مني توزيع بعضها على رفيقاتها لكني لم أفعل وضعتها في المكتبة وحسب
أحطت كتفيها الصغيرتين بكلتا يديّ وقلت لها 
لن أفعل شيئاً ولن أبوح لأحدٍ بما قلته لي 
يكفيني صدقك يا بنيتي
أطلب منك فقط أن تفكري جيّداً قبل أن تتصرّفي
لا لا أحد منكم أيّها القرّاء الأعزّاء ينتظر مني تصرّفاً ما
كلّ ما فعلته كان إلقاء هاتيك المجلّات في سلّة المهملات لتُحرق
وضمّ هذا الوفد إلى أمثاله من المجموعات التي قد أتحدَّث عنها في ذكرى مقبلة
 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر