نحن والسوريون

نحن والسوريون

  أحمد الخميسي

السوريون الذين تصادفك بسماتهم في شوارع القاهرة وهم يبيعون أطباق الحلوى يخطفون القلب بالمودة، ويخطفهم القلب إلي داخله وإلي ذكرياته الكثيرة التي ربطت بيننا وبينهم.حالياً يصل عدد أولئك السوريين إلي نحو ربع مليون مهاجر اختاروا مصر مستقرا لهم تحت وطأة الحرب التي اكتسحت بلادهم.

وحسب تصريح لمساعد وزير الخارجية المصري فإن عددهم يبلغ مئتي وثلاثين ألف إنسان، كما أن مصر حسب قوله:"تتخذ موقفاً ثابتاً من عدم عزلهم عن الشعب المصري".
من ناحيته صرح راسم الأتاسي رئيس رابطة الجالية السورية في مصر بقوله إن: "الأخوة المصريون يعتبرون السوريين أخوة لهم، كما أن الحكومة المصرية ساهمت في ذلك خاصة في موضوع التعليم، وعاملت الأطفال السوريين كالمصريين، وأتاحت الفرصة للطلاب السوريين للالتحاق بالمدارس، والعلاج في المستشفيات".
 وقد بدأ السوريون رحلتهم إلي القلب المصري عن طريق الفن والثقافة، عن طريق الضحكات التي لا تنسى لماري منيب، التي جاءت مع والدتها من سورية إلي مصر بحثاً عن والدها الخواجة " سليم" الذي تركهم واتجه إلي القاهرة ليضارب في القطن، ولما طال غيابه سافرت الأسرة للبحث عنه في القاهرة، ثم استقرت في حي الفجالة في شقة كان إيجارها كما تحكي ماري منيب سبعين قرشا فقط! ..

وخطف السوريون قلوبنا بصوت أسمهان الرنان، واسمها الحقيقي " آمال" التي هاجرت مع أخيها " فريد فهد فرحان اسماعيل الأطرش" من منطقة جبل العرب بسوريا هرباً من الفرنسيين اللذين سعوا لاعتقالهم بسبب عداء والدهما للاستعمار الفرنسي. واستقرت أسمهان لتغني لنا " امتى حتعرف امتى.. إني بحبك امتى؟".

واستولى السوريون على قلوبنا بأنور وجدي وفيلمه الرائع " ذهب" مع الطفلة فيروز، وأغنية " معانا ريال"، وكانت أسرة أنور وجدي تعمل في تجارة الأقمشة في حلب وانتقلت إلي مصر. أما زكي طليمات الذي أنشأ أول معهد تمثيل في مصر، وأسس نصف معاهد التمثيل في العالم العربي فكان جده من عائلة وجيهة في حمص، ثم سافر إلي القاهرة بقصد التجارة فيها واستقر.

هناك أيضاً فايزة أحمد، التي قال عبد الوهاب عن صوتها إنه " ألماس متكسر" والدها سوري، ونشأت في دمشق، وتقدمت هناك إلي مسابقة إذاعية ولم تنجح فيها، فجاءت مع أسرتها إلي مصر ولمعت في سماء الفن كأحد أجمل الأصوات الرقيقة القوية. أخيرا يبقى أن والد سعاد حسني، سندريلا الشاشة العربية خطاط سوري معروف استدعاه الملك فاروق للاشراف على مدرسة تحسين الخطوط الملكية، وجد السندريلا مطرب سوري هو حسني البابا، وأخوه ممثل كوميدي اشتهر بتقليد شخصية المرأة الشامية.!
الأسماء كثيرة ، وكلها تشير إلي تاريخ طويل من التفاعل والتأثير والتأثر.
ولا يسقط من الذاكرة أبداً ..
البطل السوري جول جمال، ابن اللاذقية، الذي كان يدرس في الكلية البحرية بمصر وقت وقوع العدوان الثلاثي، فلم يرجع إلي بلده، بل بقى وتطوع في قيادة زوارق الطوربيد المصرية ليدمر البارجة الفرنسية "جان بار" عند سواحل البرلس في 4 نوفمبر 1956،واستشهد خلال ذلك، وجسد تلك البطولة فيلم" عمالقة البحار" لأحمد مظهر ونادية لطفي.

 وعندما تعطلت الاذاعة المصرية خلال العدوان الثلاثي فوجيء العالم بصيحة الاذاعي السوري الهادي البكار من إذاعة دمشق وهو يهدر:" هنا القاهرة من دمشق"! وتحولت الاذاعة السورية إلي إذاعة مصرية خلال العدوان. بذلك أيضا خطف السوريون قلوبنا.

وربما لم تكن مصادفة ان تتم الوحدة مع سوريا تحديدا وليس بلد عربي آخر، ورغم أن الوحدة استمرت نحو ثلاث سنوات ونصف فقط من 22 فبراير 1958حتى 28 سبتمبر 1961، إلإ أن أثرها كان كبيرا، وكان شكري القوتلي أول وآخر رئيس عربي يتنازل طوعا عن الرئاسة لصالح وحدة شعبين.

 وشاركتنا سوريا حرب 1967 بالغارات المكثفة التي قامت بها على اسرائيل ولا سيما على حيفا، وبأقسى المعارك في الجولان في مواجهة إسرائيل. وخاضت مصر وسوريا معا حرب أكتوبر 1973 بتنسيق سياسي وعسكري مكن من عبور القناة وتحقيق النصر.
إلا أن الحضور السوري بدأ قبل ذلك بكثير، ويذكر باحثون كثيرون أن الفضل الأول في تأسيس المسرح المصري الحديث يعود إلي يعقوب صنوع السوري الأصل الشهير ب " أبو نظارة"، رائد المسرح ورائد الصحافة الساخرة ، ففي عام ١٨٦٩ فكر صنوع في تأسيس مسرح مصري وقام بتأليف مسرحيات شعرية قصيرة و لحنها وعرضها في قصر الخديوي بحضور ضيوفه من الباشوات ، وأعجب به الخديوي إسماعيل و أطلق عليه لقب " موليير مصر"، وطلب منه أن يعرض مسرحياته في مسرحه الخاص بقصر النيل،

وكان أول ظهور نسائي بالمسرح علي يد صنوع و من أشهر مسرحياته في ذلك الوقت "آنسه علي الموضه" ، "غندوره مصر" ، "الضرتان". لكن الخديوي غضب عليه بعد عرضه مسرحية " الوطن والحرية" فنفاه إلي باريس، وعلاوة على المسرح أسس صنوع العديد من الصحف مثل " أبو نظارة" و" المواطن المصري"، و" الثرثارة المصرية"، وظل في باريس بعد نفيه حتى توفي فيها عام 1912.

وحل سوري آخر ضيفاً على مصر ليواصل تجديد المسرح وتأسيسه، وهو أبو خليل القباني الذي هاجر إلي مصر بعد أن اشتكت نسوة الشام من تأخر أزواجهن خارج البيوت وقضاء الليالي في مسرح أبي خليل !
فأصدر السلطان أمرا بطرد الفرق المسرحية، وجاء القباني إلي مصر وبدأ يعرض أعماله في قهوة" الدانوب" بالاسكندرية، ثم في مسرحه في العتبة حتى احترق المسرح عام 1900.
وقام السوريون بدور كبير في تأسيس الصحف المصرية وكان سليم الحموي ( نسبة إلي حماة في سوريا) أول من أسس صحيفة " كوكب الشرق" بالاسكندرية عام 1873، وبعده بعامين قام الأخوان سليم وبشارة تقلا، وهما سوريان أيضا، بتأسيس جريدة الأهرام عام 1875، وعام 1876 ظهرت جريدة " أبو نظارة " يعقوب صنوع، وبعدها بعام برزت صحيفة مصر لأديب اسحق، ثم ظهرت " مرآة الشرق" لسليم عنجوري سنة 1879. وقامت كل تلك الصحف بدور كبير في نشر الوعي وتأسيس الصحافة.
والآن إذا صادفك سوريون في شوارع القاهرة ، يعرضون أطباق الحلوى، فتذكر أنها قطع صغيرة من تاريخ حلو في الثقافة والحرب والوحدة والفنون.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني