رغم العراك والشجار ...يعتبر ملاذاً آمنا للفقراء والبسطاء

رغم العراك والشجار ...يعتبر ملاذاً آمنا للفقراء والبسطاء


المشهد-دمشق-أسعد جحجاح  

من لا يعرف "سوق الحرامية" فهو مكان ليس مخصص "للحرامية واللصوص" فقط كما كان سابقاً منذ حوالي 25 عاماً مضت ، الآن تحول منذ اندلاع الحرب المستعرة على البلاد ملاذاً آمناً لذوي الدخل المحدود والمحدود جداً إن صح التعبير لاقتناء المفروشات والأثاث المستعمل أو ربما "المسروق" وجميع الأدوات المنزلية بتنوعها(موبايلات، ألبسة، أحذية، خضراوات وفواكه)، كل ما تحتاجه العائلة موجود داخل حرم السوق، حتى الكتب بأنواعها ومضامينها الأدبية والشعرية والفلسفية تأخذ قسطاً من الراحة على  أحد بسطات هذا المكان الفظيع ، وفي ظل الأزمة الذي تعيشها سوريا كان للأحداث المؤلمة تأثيرها على سوق الحرامية، بأشكال متعددة منها ما يخص البضاعة ومنها ما يخص الزبون، ومنها ما يخص المكان والزمان.
 حفظ الألقاب
عندما تطأ قدماك أرض السوق ستشاهد بأم عينيك الفوضى البصرية والعشوائية هناك في "سوق الحرامية" تحاكي ذاتك وتقول في قرارة نفسك عندما " كيف ينظم هذا المكان.. بأي قانون هندسي أو شريعة؟"، من خلال زيارة السوق يجزم الباعة، أصحاب المحال التجارية، البسطات ،حتى الزبائن، بإعطائك اسمائهم الحقيقية، فهذا الخليط يريد البقاء بعيداً عن الأضواء والعمل خلف الكواليس، يقول أبو الطير "كما يلقب نفسه" وهو صاحب بسطة موبايلات، بأن السوق ليس بالفوضى التي يظهر بها، فالباعة الجوالون وأصحاب البسطات على علاقة وثيقة بأصحاب المحال التجارية، فحتى لو قال التجار بانهم منزعجون من أصحاب البسطات فهذا كلام "جرائد" على حد تعبيره لان أصحاب المحال يكسبون من البسطات ويتقاضون نسبة من المبيعات، وللسوق قوانين معينة أشبه بالـ "العرف" بين الباعة، مضيفاً بأن مكان بسطته في السوق لايزال على وضعه الراهن منذ 6 سنوات حيث اشتراه بمبلغ 500الف ليرة سورية، وهو يقدم نسبة شهرية من المبيعات لأحد أصحاب المحال المجاورة للسوق، ناهيك عن الرشاوى وأمور أخرى لحماية البسطة، وهنا يؤكد مسعود "الفاعوري" صاحب محل تجاري في سوق الحرامية كلام أبي الطير قائلاً:" كلام الرجل صحيح لكن أحياناً تحدث مشاكل بين الأطراف على الزبون، وتصل إلى حد المشاجرة والنزاع، لكن للمفارقة بأن سوق الحرامية قريب من مخافر الشرطة في المنطقة والمتواجدة بشكل دائم مما يخفف من وطأة تلك المشاكل إلى حد ما.
أعراف وبروتوكولات
كل زاوية في سوق الحرامية لها "زعيمها وعكيدها" أو مالكها إن صح التعبير، فالبقاء في السوق للأقوى وهي نظرية موجودة لدى الباعة لكن بشروط وأعراف وبروتوكولات متفق عليها عكس ما يبدو للزائر، أبو عامر السابور "بائع أثاث مستعمل شوهد بأم العين وهو يسحب زبوناً من يده ويقوده إلى "طقم مفروشات مستعملة" لكن يظهر بانه غالي الثمن، نسأل أبو عبود عن سعره فيقول 35 ألف ل.س! يكاسره الزبون قليلاً ليشتريه بعشرين ألف، يقول أبو عبود بان مثل هذه القطعة "لقطة" ومعظم المفروشات مستعملة لعائلات تبيع فرشها، أو أغنياء يبدلون فرش منزلهم كل سنة فيبيعون الفرش بأي سعر كان، أبو عبود هو أحد المسيطرين على سوق المفروشات في سوق الحرامية لقدمه في المهنة، ويلقى احتراماً من معظم الباعة، يؤكد أبو عبود للـ(المشهد أونلاين) بأن السوق فعلاً "للدراويش والفقراء" والأشياء التي تصل إلى هذه السوق لا يهم من أين تأتي، المهم أنها بضاعة رخيصة وتفي بالحاجة للفقراء، ولا ينكر ابو عبود بان الأحداث الأخيرة في سوريا نشطت السوق قليلاً لكن تأثر بعوامل أخرى جعلت السوق يفقد بريقه.
"أبو جمال" 70 عاماً أحد قاطني شارع الثورة أكد للـ(المشهد) أن هذا الاسم أطلق على السوق منذ اكثر من ربع قرن فاللصوص كانوا يبيعون الأغراض التي يسرقونها في هذا المنطقة تحديداً، ربما سمي السوق لذلك بـ"سوق الحرامية"، لكن منذ فترة طويلة وإلى الآن أصبح السوق خليطاً متنوعاً، فالحرامية ما زالوا في السوق، وباعة المفروشات المستعملة وخلافها أيضاً فئة أخرى، يشترون الأغراض المستعملة من أصحابها بسعر رخيص ويبيعونها، أيضاً نشأت "فئة جديدة" في السوق غزت بسطات وشوارع سوق الحرامية، وهم الباعة الجوالون واللذين يسمونهم أهل المنطقة "البائع الطيار"، وأسواق البالة لها وجودها، السوق خليط هائل من بضاعة متنوعة، فلا شيء محظور في السوق، بأسعار رخيصة لا يهمك من أين مصدر البضاعة، فالسعر وحده يجذب الزبون بحسب أبي جمال.
سلباً وإيجاباً
هذا المكان الفريد من نوعه والذي يتوسط أقدم عواصم التاريخ (دمشق) لم يسلم من تأثيرات الأحداث المؤلمة التي تمر على سوريا، فمن نواحٍ معينة أثر إيجاباً، وفي أخرى أثر سلباً، محمد كعبار الملقب "أبو حسن" وصف السوق بأنه أكبر المستفيدين من حالة "الفوضى"، فعندما تعم الفوضى في حي أو مكان ما تنشط حركة السرقة ونزوح العائلات كما حصل في عدة مناطق في سوريا، ويضيف أبو حسن بانه مثلاً في المناطق التي شهدت سيطرة للمجموعات الإرهابية المسلحة لفترة معينة كما حصل في ريف دمشق، تنشط السوق قليلاً بالبضائع، منها ما هو مسروق ومنها لعائلات فضلت هجرة منازلها إلى أحياء أكثر أمناً، لكن في هذه الحالة حركة السوق ليست "دائمة" فالبيع والشراء يكون في ذروته لمدة محدودة، ثم لا تلبث ان تعود الأمور إلى حركة السوق العادية، وعموماً خفت حركة السوق في الأزمة السورية وذلك لارتفاع أسعار المعيشة وتأثير العقوبات الاقتصادية الجائرة على المواطن السوري الذي بات مشغولاً بلقمة العيش بالدرجة الأولى.
على ذمة الباعة
 ارتبطت جوانب الحياة الاقتصادية في سوريا بارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية حتى أضحى هذا الدولار حجة للغلاء الجنوني المستعير للعديد من المواد الاستهلاكية، طبعاً لن يخرج "سوق الحرامية" من هذه المعادلة، فبغض النظر عن "السوق السوداء" للبعض ممن يصرفون العملة الصعبة كما يرغبون –لكن بمبالغ بسيطة- ارتبط ارتفاع الدولار بارتفاع البضاعة الموجودة في السوق، يقول بسام ظروف "موظف" بأنه يقتني المفروشات والأدوات المنزلية والكهربائية لمنزله بمعظمها من سوق الحرامية، لكنه صدم بارتفاع سعر هذه الاشياء إلى ضعفين وثلاثة وذلك بسبب ارتفاع الدولار على ذمة الباعة! يستغرب بسام ذلك الربط، ويعتبر بأن الباعة في سوق الحرامية أخذوا حذو بعض التجار في الطمع والتحكم في السوق، وهكذا سوق يعتمد على الطبقة الفقيرة ويجب أن يحافظ السوق على أسعاره، يرد على بسام "أبو حسان" بائع موبايلات وأدوات كهربائية، ويقول بان ارتفاع الدولار مؤثر بشكل كبير حتى على الألبسة المستعملة، وبالنسبة للأدوات الكهربائية والمفروشات المستعملة ارتفع سعرها من المواطنين البائعين لأغراضهم وليس للتاجر علاقة بالتحكم بالسعر، ذلك السجال بين البائع والزبون لا ينفي تراجع  حركة البيع والشراء في السوق، فيقول بديع"س" صاحب إحدى بسطات الموبايلات بأن البيع قليل جداً أثناء الازمة مقارنةً مع الفترة السابقة حيث كانت الأمور مستقرة، ويؤكد بديع أن غلاء الأسعار هو عام وليس للبائع علاقة بارتفاعه ما عدا بعض "اللقطات" من المبيعات والتي غالباً تكون من المسروقات التي تباع بسرعة كبيرة.

احتيالات وشجارات
مرتادي سوق الحرامية معظمهم من الطبقة الفقيرة كما أشارت المشهد أونلاين ، وغالباً ما يعتمد "الدراويش" على هذا السوق في شراء حاجياتهم، والدروايش هم الصيد المفضل للبعض من بائعي سوق الحرامية، فمن المعروف بان الغرض الذي يباع لا يباع ولا يستبدل بأي شكل من الأشكال، وهناك عرف متبادل بين البائعين: "القانون لا يحمي المغفلين!"، والحقيقة بان الكثير من حالات النصب والاحتيال التي تحدث بشكل شبه يومي مع المواطنين من باعة سوق الحرامية، فالبائع ليس مسؤول عن الغرض الذي لا يعمل بعد مغادرة الزبون، وتحصل أكثر "النصبات" في حال بيع أجهزة الموبايل والأدوات المنزلية الكهربائية مثل الغسالات والبرادات وغيرها، وائل "ب" وقع ضحية نصب واحتيال من أصحاب محلات معروفة في سوق الحرامية، حيث اشترى براداً مستعملاً بمبلغ مغري "30000 ل.س" وكان يعمل عند لحظة شرائه، كما اشترى غسالة بنفس السعر تقريبا، وطبعاً جرب القطعتين وكانوا بحالة ممتازة، لكن بعد مرور يومين لم تعد تعمل أية آلة منهم من دون سبب، وعندما قرر تصليحهما أخبرته ورشة التصليح بانه وقع ضحية "نصبة"، تلك القصص كثيرة في سوق الحرامية والشجارات بين الزبائن والبائعين تحصل بشكل يومي وتصل إلى حد العراك واحياناً تتدخل الشرطة بالوقت المناسب.
لقمة العيش!!
علامات البؤس والحسرة والألم بدت واضحة على وجوه مفترشي البسطات وأصحاب المحال التجارية، وحتى السارقون "الباعة الهاربين" فحالهم ليست أفضل من أحوال المواطنين السوريين ، فالأزمة انعكست على الجميع حتى على هذه الطبقة، فالبيع انخفض بشكل كبير، ولم يعد هم المواطن البسيط اقتناء أشياء (جديد أو قديمة)، لأن لقمة العيش أصبحت هي الأهم في بركان الغلاء الفاحش، حتى الحرامية لم يعد لهم مكان في هذا السوق، فعلى الرغم من انتشار الفوضى في بعض المناطق "وهي البيئة الخصبة للسارقين" إلا أن ذلك السوق المتنوع لم يعد خاصاً بالاسم الذي يحمله، اصبح سوقاً للفقراء والبسطاء، السوق يجمع "الدراويش" سواءً كانوا باعة أم زبائن، فـ لأول مرة يتوازى البائع والشاري في "سوق الحرامية"..

 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر