آباء أدمنوا القمار والعائلات تموت جوعاً

آباء أدمنوا القمار والعائلات تموت جوعاً

نور علي
هي قضية يظهر عرابوها ليلاً كالخفافيش ويختبئون نهاراً كالنعام، قضية عندما تغوص في أعماقها تعتقد للوهلة الأولى أن مرتاديها هم من الطبقات الوسطى أو الطبقات عديمة الدخل، إلا أنك ستصدم عندما تجد أن شخصيات المجتمع رفيعة المستوى هي من أغلب مرتاديها والمدمنين عليها، ولعل من يتصدر المجالس الراقية في الصباح هو ذاته من يحمل ورق اللعب "الشدة" في الليل، ولعل من يرتدي عباءة الدين ومكارم الأخلاق في بيته ووسط معارفه، هو عينه من يدخل المقهى "المقمرة" ويستبدل نقوده ببضعة دوائر بلاستيكية "الفيش" ويجلس على طاولة المراهنات "القمار"

غني الأمس فقير اليوم والأسرة رهينة "القمار" هي حالة من مئات الحالات وربما الآلاف، التي تقع فيها الأسرة ضحية إدمان الأب على لعبة "القمار"، ليبدأ الأمر ببيع المنزل، ثم الأثاث ثم كل ما أمكن بيعه حتى ينتهي الأمر ببيع الأسرة والتضحية بها إذا تم الخيار بينها وبين هذه اللعبة.

تقول "ديانا" ذات الثلاث والعشرون عاماً للمشهد: "كنا عائلة ميسورة الحال وتمتلك العديد من العقارات، أبي كان يعمل في مجال تعهدات البناء إلا أن له عادة سيئة جداً وهي الإدمان على لعبة القمار، لا أذكر الأيام التي جمعتني به كثيراً نظراً لغيابه الدائم عن المنزل فهو كان يخرج في المساء ويعود في الصباح وغالب الوقت يعود من المقهى الذي يلعب فيه وهو مخمور وفاقد للسيطرة ومفلس تماماً ".

وتضيف ديانا: «عندما كان أبي يخسر في لعبة القمار كان يصب جام غضبه علينا ويهدد والدتي مراراً وتكراراً بالطلاق الذي تحول مع الأيام لفعل، فالتخلي لم يشمل والدتي فقط بل أنا واخوتي بالنسبة له في عداد النسيان لنغدو بفعل هذا الإدمان أسرة مشردة بامتياز " .

بسبب القمار أصبح عاجزاً والأسرة في ضياع
كان يصل الليل بالنهار ويطوي الأيام تلو الأيام ويتناول حبوباً تسمى "كابتيكول" تمنعه من النوم كي لايفوت أي لعبة "برتية" عليه، هكذا قالت "سارة" التي تعاني هي وأسرتها من التشتت والضياع وعدم الاستقرار بسبب إدمان والدها على لعب "القمار" بشكل لايستوعبه العقل، فهو ليس مجرد مدمن فحسب بل هو تحول لمهووس بهذه اللعبة لدرجة تجعله يفقد الإحساس تجاه كل من حوله أياً كان إذا ما تعلق الأمر بلعب "القمار"، تتابع  سارة:  "بسبب القمار أسرتي تفككت وأخوتي تركوا المنزل وأبي تدهورت صحته وبات مشلولًا وعاجزاً تماماً، مشيرة أن السهر الدائم وتعاطي حبوب منع النوم من قبل والدها أثرت على الجملة العصبية وأصابته بجلطة دماغية أَوقعته بهذا العجز".

عندما لم يبق معه مال كنت أنا الرهان
كان يخرج يومياً ومعه لا يقل عن 50 ألف ليرة سورية ويعود بعد منتصف الليل لايملك منها سوى ألفين أو أكثر، وتكرر هذا الأمر إلى أن قرر نقل مقر اللعب إلى المنزل، تقول أم عروة للمشهد: "أجهضت مرتين بسبب ضرب زوجي لي بعد كل خسارة يتلقاها من لعب القمار، كل يوم يصطحب رفاقه ويتحول البيت إلى كازينو ويفرض علي أن أقوم بواجب الضيافة وأتحمل المستوى البذيء من الألفاظ التي يتبادلونها عندما يلعبون" وتضيف أم عروة: "كل شيء كنا نملكه ذهب مع الريح، وعندما لم يجد زوجي مايبيعه ليستطيع اللعب قال لأحد رفاقه خذ زوجتي واقرضني المال".

لا شك أن قضية القمار هي سبب كبير في دمار المجتمع وانهيار العائلات فيه، فالمقامر هو شخص عدواني لكل من يخالفه رأيه، عدا عن أنه عندما يصل إلى مرحلة الإدمان فتوقع منه كل شيء. بعض المقامرين قد يصابون بالجنون، وبعضهم الآخر قد يصاب بالجلطات القلبية والدماغية، وفضلًا عن كل ذلك فإن الخسارة لاتقتصر على المال فقط، فهو بالدرجة الأولى يخسر نفسه ويخسر كل من حوله، وأكثر مايزيد الطين بلة هو غياب الرقابة القانونية عن هؤلاء وعن المقاهي والمنازل المخصصةلهذا الغرض والتي انتشرت بالآونة الأخيرة بشكل علني وعلى عينك يا تاجر دون رادع قانوني أو أخلاقي ودون النظر لحال الأبناء والزوجات الذين هم ضحايا طاولات المراهنات وضحايا على مذبح المراهنين.

لولا القمار لكنت اليوم طبيباً
لم يفكر يوماً طالب الثانوية الذي صنف الثالث على محافظته أنه سيصبح "صبي أركيلة" بعدما كانت عيونه وأحلامه تتجه نحو كلية الطب البشري، يقول "سراج" ذو السادسة والعشرين عاماً: "المريول الأبيض بالنسبة لي هو غصة وأضغاث أحلام لا أكثر، فوالدي الذي يداوم مقاهي لعب القمار قد خسر كلشي، الأمر الذي أجبرني أن أترك الدراسة وأتفرغ لإعالة أسرتي".
من يدمن لعب القمار هو كمن يضع الساطور على رقبة أسرته، عدا عن السمعة السيئة التي تلحق بهم، فأنا حرمت من حلمي أن أكون طبيباً وكذلك من حقي في الزواج والتقدم لأي فتاة.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر