تقنية الـ  VAR  بين مطرقة العدالة و سندان قتل المتعة

تقنية الـ VAR بين مطرقة العدالة و سندان قتل المتعة

خاص المشهد - كرم هيثم مخلوف

ليس هنالك ما هو أصعب من أن تجد بأن حلمك قد تبخر و تلاشى في طرفة عين ، لا لخطأ ارتكبته أنت، بل بسبب قرار جائر أو تغاضِ عن قول الحق في لحظة الحقيقة.
الحياة ليست عادلة دوماً، و تحقيقك للانجاز فيها لا يعني بالضرورة أنك الأفضل على الاطلاق، فقد يكون تحقيق هدفك مربوط بظلم أحدهم عن قصد أو من دونه !!
و كرة القدم ليست استثناء ...

كرة القدم و الكوارث التحكيمية:
عبر تاريخ اللعبة، شهدنا العديد و العديد من قرارات التحكيم المجحفة، و التي كانت كفيلة بتغيير مسار المباراة و بالتالي تغيير المشهد الختامي للبطولة بتغير هوية البطل و تنصيب من لا يستحق على حساب من بذل الجهد و التعب و العرق للوصول إلى منصة التتويج.
ففي عام 1966 استضافت إنكلترا بطولة كأس العالم على أرضها، و حقق الإنكليز حينها لقبهم اليتيم حتى الآن في هذه البطولة بعد أن تغلبوا في المباراة النهائية على منتخب ألمانيا في مباراة لا تزال محل جدل حتى وقتنا هذا. فبعد أن تعادل المنتخبان بهدفين لمثلهما في الوقتين الأصليين، سدد لاعب إنكلترا ( جيف هيرست ) كرة قوية اصطدمت بالعارضة و ارتطمت بالأرض دون أن تتجاوز بكامل محيطها خط المرمى كما بينت الإعادة البطيئة، و لم يتردد الحكم حينها في احتساب الهدف مهدياً للانكليز اللقب.

و لا يزال هدف مارادونا الذي سجله بيده في مرمى الإنكليز في نصف نهائي مونديال 1986 عالقاً في الأذهان و سيبقى خالداً إلى الأبد كمثال عن الأخطاء التحكيمية القاتلة. حيث عبرت الأرجنتين إلى المباراة النهائية و حققت اللقب بفضل ذلك الهدف الغريب، والمثير في الأمر بأن ماردونا لم يعترف بأن هذا الهدف قد سجل بطريقة غير شرعية حيث صرح بأن هنالك يد من السماء هي من تولت تسجيل الهدف !!
و ليس خافياً على أحد كمية الأخطاء الكارثية التي حدثت في المونديال الآسيوي 2002 و الذي اعتبر كواحد من أسوأ المونديالات تحكيمياً على الاطلاق، و قد أدت المهازل التحكيمية لوصول المنتخب الكوري الجنوبي ( البلد المضيف برفقة اليابان ) إلى نصف نهائي البطولة بالرغم من عدم امتلاكه لأدنى المواصفات اللازمة لتحقيق هذا الأمر.

و تجرع الإنكليز مرارة الظلم التحكيمي مع الألمان في مونديال 2010 بصورة طبق الأصل عن مونديال إنكلترا الشهير.
لكن في هذه المرة انقلبت الآية و تجاوزت كرة فرانك لامبارد خط المرمى بالكامل لكن كان لحكم المباراة رأي آخر و رفض احتساب ذلك الهدف. و قد دفعت تلك اللقطة الاتحاد الدولي لكرة القدم للبحث جدياً عن تقنية ما لتجنب تكرار مثل هذه الأخطاء بعد كمية الجدل الرهيبة التي أتبعت ذلك الهدف الصحيح الملغى.

و إن كان تاريخ المونديال حافلاً بمثل هذه الأخطاء التحكيمية، فحدث ولا حرج عن تاريخ أعرق و أمجد البطولات الأوروبية للأندية ( الشامبيونز لييغ ) بما يحمله من كوارث تحكيمية تجاوزت حد الوصف.

فجمهور بايرن ميونخ لن ينسَ للأبد الحكم ( فيكتور كاساي ) بعد أدائه الكارثي في المباراة التي جمعت فريقهم مع ريال مدريد في ربع نهائي المسابقة عام 2017. حيث قام الحكم بطرد لاعب بايرن ( فيدال ) من دون وجه حق، و تغاضى عن طرد لاعب الريال ( كاسيميرو ) في أكثر من مناسبة متجنباً منحه البطاقة الصفراء الثانية في تلك المباراة رغم خشونته المتعمدة، و أكمل الحكم مهزلته باحتساب هدفين لرونالدو جاءا من حالتي تسلل واضحتين وضوح الشمس !!

و في مباراة تاريخية جمعت تشيلسي مع برشلونة في نصف نهائي 2009 في ملعب ( ستامفورد بريدج ) أمضى لاعبو تشيلسي وقتهم و هم يطالبون الحكم باحتساب ركلات جزاء واضحة ولكن الحكم النرويجي ( أوفريبو ) تغاضى عن احتسابها، ليسجل بعدها نجم برشلونة ( إنييستا ) هدفاً قاتلاً في الوقت بدل الضائع كان كفيلاً بتأهل فريقه.

و الأمر المثير أنه و بعد تسع سنوات كاملة اعترف الحكم ذاته بأنه ربما قد ظلم نادي تشيلسي فقد كانوا يستحقون ركلة جزاء واحدة على الأقل في تلك المباراة  على حد تعبيره !!

تقنية الـ VAR :
بعد سنوات من مناداة المنتخبات و الأندية باستخدام الفيديو لمساعدة الحكام، استجاب الاتحاد الدولي لكرة القدم أخيراً و اعتمد تقنية حكم الفيديو المساعد VAR في كأس القارات الأخيرة، ليقوم اتحادي الكرة في ألمانيا و إيطاليا باعتماد هذه التقنية في الدوري المحلي مباشرةً.
الـ VAR هو اختصار لعبارة Video Assistant Referee بالانكليزية، أي حكم الفيديو المساعد.
في الواقع لا تعني التسمية وجود حكم واحد فقط، إنما فريق مكون من ثلاثة حكام، حكم حالي أو سابق و هو حكم الفيديو الرئيسي، ومساعد له بالإضافة لمشغل للإعادات، يقومون بالعمل سويةً و يتابعون فيديو للحالات المشكوك بأمرها عن طريق الإعادة في غرفة العمليات التي تتواجد فيها مجموعة من الشاشات تعرض الحالات من عدة زوايا مختلفة.

وهناك أربعة حالات يتم الاستعانة بها بتقنية الـ VAR
الأهداف و الأحداث التي تؤدي لها، ركلات الجزاء، البطاقات الحمراء المباشرة، و التأكد من إعطاء اللاعب المقصود البطاقة الصفراء أو الحمراء.
و بالمقابل فإن للحكم ثلاثة خيارات، فإما أن يستمع لنصيحة فريق الفيديو ويلغي قراره بالنسبة للحالات التي لم يلحظها، أو أن يذهب بنفسه لخط التماس و يشاهد الإعادة للتأكد من الحالة، أو أن يتمسك بقراره ولا يستجيب أساساً لنصيحة فريق الفيديو.

الـ VAR ما بين تحقيق العدالة و إضاعة الوقت :
بعد أن قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم ( الفيفا ) اعتماد هذه التقنية في بطولاته و التي كان آخرها مونديال روسيا 2018، تبعه الاتحاد الأوروبي ( اليويفا ) و قرر مؤخراً اعتماد هذه التقنية في دوري أبطال أوروبا ابتداءً من دور الـ 16 للموسم الحالي.

كذلك فإن معظم الدوريات الكبيرة بدأت بالفعل باستخدام هذه التقنية في دورياتها المحلية، مع تريث حتى الآن من قبل اتحاد الكرة الإنكليزي.
و لكن يبقى السؤال الأهم، هل نجحت هذه التقنية بالفعل و أدت الهدف المرجو منها !؟

يرى مسؤولو الفيفا وعلى رأسهم رئيس لجنة الحكام، الإيطالي الشهير ( كولينا )  بأن هذه التقنية ناجحة حتى الآن و قد ساهمت بالفعل في الحد من القرارات الخاطئة التي قد تؤدي إلى تغيير مجرى المبارايات.

فيما يبدو الأمر مختلفاً لدى اللاعبين و المدربين والذين عبروا في أكثر من مناسبة عن انزعاجهم من الوقت الطويل الذي يستغرقه الحكام في الرجوع لتقنية الفيديو قبل أن يتخذوا قرارهم النهائي، مما يؤدي إلى الكثير من التوقف و ضياع الوقت.

كما أنهم يرون بأن لهذه التقنية جانب سلبي إضافي يتمثل في أن الكلمة الأخيرة تبقى لحكم  الساحة الرئيسي فقط وبالتالي فإن لديه مطلق الصلاحية في التشبث برأيه دون أن يعير أي انتباه لنصائح حكام الفيديو.

و قد عبر حارس المرمى الإيطالي الشهير ( بوفون ) عن ذلك بوضوح حين صرح بأن هذه التقنية لا تعجبه و هي ليست جيدة.
كذلك صوت 47% من الجمهور الألماني بإلغاء تقنية الـ VAR وفق استطلاع رأي أجرته صحيفة ( كيكر ) الألمانية.

 وبين من يرى بأن تلك التقنية ضرورية للحد من مزاجية الحكام في اتخاذ قراراتهم وبالتالي إعطاء كل ذي حق حقه، و من يرى بأنها تؤدي إلى قتل متعة كرة القدم والتي تعتبر الأخطاء التحكيمية جزءً لا يتجزأ منها.

يبدو بأن هذه التقنية قد بدأت بفرض نفسها بالفعل كركن أساسي من أركان كرة القدم الحديثة.

 

 

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر